من خصائص الشريعة الإسلامية التي امتازت بها على الشرائع الوضعية كلها أنها قامت على الأخلاق المرضية، والفضائل المرعية، وخشية الله، ومحاسبة الوجدان والضمير، في كل ما يصدر عن الإنسان، ألا ترى إلى قوله تعالى:(ولا يجر منكم شنآن قوم على إلا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى)، وقال صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المتفق عليه:(إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)، ويجتهد عمر رضى الله عنه في إبعاد الناس عما يغرس الأحقاد والإحن في النفوس، فيقول:(ردوّا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن)، ويشدد الرسول صلى الله عليه وسلم في النكير على من يخادع المسلمين ويغشهم، فيقول:(من غشّنا فليس منا) كما يقول صلوات الله عليه (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامه، لا يبايعه إلا لدينا، فإن أعطاه منها رضى، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه الرجل - ثم قرأ - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم).
ولست قوانين أفلاطون، ولا الشرائع الرومانية، ولا القوانين الغربية الحديثة بمستطيعة أن تجاري الشريعة الإسلامية في هذا السمو الخلقي الذي بنيت عليه جميع التصرفات والمعاملات، وما يصدر عن الإنسان من قول أو عمل.
- ٥ -
اقتصار تشريعه التفصيلي على الأمور الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأمم والعصور، أما