الحوادث الجزئية، والأحكام الفرعية التي تختلف باختلاف الأحوال والأمم فإنه لم يتناولها إلا بقواعد كلية، ومقاصد عامة، ليترك الباب مفتوحاً لأهل الاجتهاد من كل أمة، وفي أي عصر، ليستنبطوا من الأحكام ما يحقق مصالح العباد، ويتفق مع حاجاتهم.
لذلك كان من خصائص هذه الشريعة التي امتازت بها على سائر الشرائع أنها قائمة على دعامة الاجتهاد، من لدن أول مجتهد في الإسلام، وأعظم مشرع، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى مجتهدي الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من العلماء المجتهدين في كل عصر.
هذا الاجتهاد - فيما لا نص فيه - هو الذي يكفل تجددها على مدى الأيام، ومسايرتها لتطورات الأمم والشعوب، ويضمن قدرتها على وضع الأحكام لما يجد من الأحداث والوقائع، وضروب المعاملات، بل هو سر خلودها، ودوامها وبقائها على وجه الدهر، صالحة لكل زمان ومكان، وليس ذلك يدع ولا يعجب، فإن أحكام الشريعة معللة، لها أسرار وحكم ومنافع، والنصوص المعقولة المعنى.
وقد تضافرت الأدلة الشرعية، والنصوص الدينية على أن الإسلام شرع الاجتهاد ودعا إليه في وضع الأحكام في وضع الأحكام عنده عدم وجود النص، فمن ذلك.
١ - أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر معاذ بن جبل على اجتهاده برأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله، فإنه عليه الصلاة والسلام، لما بعثه إلى اليمن - قال له:(كيف تصنع إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بما في كتاب الله، قال فإن لم يكن في كتاب الله، قال فبسنة رسول الله، قال فإن لم يكن في سنة رسول الله، قال أجتهد رأيي لا آلو)، قال معاذ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله).
٢ - ما ثبت من أقوال بعض الصحافة من إقرار الاجتهاد بالرأي والقياس، فمن ذلك ما جاء في رسالة عمر بن الخطاب في القضاء إلى أبى موسى الأشعري (الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك القضاء مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال فقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق).
٣ - ما ثبت من أن كثيراً من الصحافة كانوا يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض