للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره، ويرون استعمال الرأي عند عدم وجود النص، ولعل عمر كان أظهرهم وأجرئهم في هذا الباب، متى بان له وجه الحق فيه، فمن ذلك أنه رفعت إليه قصة رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها، فتردد عمر، هل يقتل الكثير بالواحد؟ فقال له علي أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة جزور، فأخذ هذا عضواً، وهذا عضواً، أكنت قاطعهم؟ قال نعم، قال فكذاك، فعمل عمر برأيه، وكتب إلى عامله أن اقتلهما، وروي عن عمر أيضاً انه لم يقطع يد السارق في عام المجاعة، وأوقع الطلاق ثلاث بلفظ واحد ثلاثاً، وقال إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه.

كذلك ثبت اجتهاد بعض الصحابة في حياة الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - في كثير من الأحكام، فلم ينههم ولم يعنفهم، فقد أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بنى قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون، وأخروها حتى وصلوا إلى قريظة، فصلوها ليلا، فنظروا إلى حرفية النص، واجتهد سعد بن معاذ في بنى قريظة، وحكم فيها باجتهاد، فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات).

هذا هو حكم الاجتهاد في شريعة الإسلام، وهذا هدى السلف الصالح فيه، أفما آن لنا نعد العدة، ونأخذ الأهبة، لنحيي هذه السنة، ونقتفي أثر السالفين من علمائنا المجتهدين؟!

(يتبع)

حسن أحمد الخطيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>