للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عود إلى حديث الإنسانية!]

(إلى أخي الأستاذ علي الطنطاوي)

للأستاذ عبد المنعم خلاف

كل ظاهرة من ظواهر الحياة الاجتماعية الفاسدة الشديدة الفساد الآن تحمل كثيرين على عدم الثقة بالإنسان وسوء الاعتقاد فيه، فليست قصتك التي أهديتها ألي في العدد الماضي يا أخي شيئاً مذكوراً بجوار القصص التي تمثلها الجرائم السياسية الكبرى التي يعرضها شيوخ السياسة على مسرح الأرض، ولا بجوار المخزاة الدامية المجرمة التي تمثلها الصهيونية، وتنصرها الولايات المتحدة الأمريكية! - تلك التي كانت أمل العالم فطواها الشيطان في جناحه الأسود فيما طوى من آمال السلام والخير - وتغضي عنها الإمبراطورية البريطانية إغضاء الذليل الضعيف، وهي التي خرجت منصورة من حرب كادت تودي بها، أعلنتها، وكان من أسباب إعلانها لها الانتصار لليهودية المضطهدة على يد النازية!

أجل، ليست المسألة في الحكم على الإنسانية بأنها للخير أو للبوار مسألة قسوة فرد أو جريمة شخص، فأن فساد الأفراد وبخاصة في عصور الانحطاط، يكون من الكثرة بحيث لا يحصيه العادّ ولكن هل معنى ذلك أن نستسلم للواقع السيئ ونحطم عقائدنا في الخير والصلاح ونلقي سلاح كفاحنا لهما؟

وقد كانت صيحتي (أومن بالإنسان) في إبان الحرب الأخيرة رداً لهجوم عنيف على قلبي من موجات التشاؤم والسخط والتبرم من ذلك المجتمع الإنساني الذي اشتعل بالحقد والقسوة والكفر بالقيم العليا للحياة الإنسانية فدمر كل شيء وكفر بكل شيء لأنه فارغ الفؤاد من العقائد السامية في الإنسان وفي الله خالق هذا الإنسان ومكرمه!

وكانت الفكرة التي تسلسل الحديث بها في هذا الموضوع إنما هي فرار بنفسي وعقائدها السامية في حياتي الشخصية وحياة النوع الذي انتسب إليه.

وعندما يطم طوفان الفساد لا تجد النفس عاصما منه إلا باللجوء إلى صخرة الإيمان بتلك القيم العليا التي تعمر الوجود، ولا تطمئن النفس إلى الحياة إلا إذا ظلت لهذه القيم قداستها وهيبتها. فإذا رأيت المدن والمعابد والشيوخ والأطفال والعجزة والمعاهد، وكل ما قامت عليه الحضارة الإنسانية من القداسات والحرمات تدكه يد الحرب المجنونة الفاجرة، فعلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>