الشتاء! الشتاء! وماذا تفهم من الشتاء يا ابن مصر الضاحية الضحوك؟ هل تفهم منه إلا أنه أسابيع من عمر العام لا تدري أهي أواخر خريفه أم أوائل ربيعه؟ هل تجد في جسمك غير دفء النعمة، وفي نفسك غير بهجة الأنس، وفي عينيك غير إشراق الجمال؟ أنظر أمامك تر الشتاء الغربي الذي جعله الله شيخوخة الطبيعة، يسلبها الرواء فلا تُعجب، ويحرمها النماء فلا تخصب، ويلقي عليها الهمود فهي سكون خافت وصمت ثقيل، ويلفّها في كفن الثلج نسجته ريح بليل؛ ثم تقشعر الأرض، وتكفهر السماء، وتقع الحياة بين القحط والموت، فتئن بالرعود، وتتأوه بالأعاصير، وتتساقط على الشجر السليب والثرى الكئيب والقرى الموحشة، همّاً في الصدور، وبؤسا في الأكواخ، ورهقاً في العزائم.
إن الشتاء في غير مصر زمهرير جهنم، تتنفسه كما تقول الأساطير فلا يذر من شيء يهبُّ عليه إلا أحرقه بالقُر وأغرقه في الصقيع. أما في مصر فالشتاء في الناس لا في الطبيعة. والشتاء في الناس برد في الدماء، وخمود في العواطف، وقحط في الأنفس. فلو كان كل من على النيل صافي القلب كسمائه، عذب الخلق كمائه، طلق اليد كفيضه، ضافي المعروف كأرضه، لكان هذا الوادي الحبيب جنة الله في الدنيا، أزلفها لجنس من خير الأجناس، خلقه وسطاً بين الملائكة والناس! ولكن. . . وما أسخف الحياة ما دامت فيها لكِن!
ابن عبد الملك
رد على نقد
القديم والجديد
للأستاذ محمد أحمد الغمراوي
إذا كانت الأشياء تتبين بأضدادها فقد تبين معنى القديم الذي أردناه لما بينا في المقال الماضي مرادنا بالجديد
إن قديم الإسلام الذي ذكرناه في أولى الكلمتين اللتين نقدهما الأستاذ قارئ هو القديم الذي نحفل ونفخر به والذي لا نرى سواه جديراً بالاستمساك به والذود عنه. لكن قديم الإسلام ليس مرادفاً من كل الوجوه لقديم المسلمين. فقديم المسلمين هو كل ما شمله تاريخهم مما