للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسر ويسوء، ومما يطابق أو يخالف الإسلام. لو كان المسلمون معصومين من الخطأ ومتابعة الهوى، أولو كانوا مع عدم عصمتهم لم يخطئوا إلا خطأ المجتهد، لكان قديم المسلمين هو وقديم الإسلام سواء، ولكان حال المسلمين اليوم شيئاً آخر غير ما هم فيه. لكن المسلمين بعد أن فتح الله البلاد على سلفهم الصالح وخلفوه فيها فتنتهم الدنيا كما فتنت من قبلهم، وحاولوا أن يتحللوا من قيود دينهم، وتهاون أولو الأمر في إقامة حدوده فزلت الأقدام بعد ثبوتها، وتداولتهم الأيام حتى صاروا إلى ما هم عليه

ومن الإفك العظيم الذي يأفكه الغرب أن ينسب ما هم فيه إلى دينهم الذي إليه ينتسبون. لو كان ما هم فيه نتيجة العمل بالإسلام ما كان هناك مفر من اتخاذهم حجة عليه. لكنهم صاروا إلى حاضرهم المخزي بتركهم العمل بالإسلام، فهم حجة له سلبية كما أن سلفهم الصالح حجة له إيجابية، وتمت بذلك حجة الله على الناس. سلفهم الذي نزل فيه الدين استمسك بالدين فدانت له الأرض فلم تطغه ولم تبطره، وضرب للتاريخ المثل العملي الفرد لحكومة الله في الأرض كيف تكون. فكانت تجربة أجراها الله في الأرض لا يقدر على إجرائها غيره، تحققت بها دعوى الإسلام أنه دين الفطرة التي فطر الله عليها الناس، لا يتحقق لهم كمال ولا سعادة إلا به، أفراداً كانوا أو جماعات. وحسبك من كمال الفرد به. تطور النفس الجاهلية إلى مثل نفس عمر وأبي بكر وعلي وعثمان، ومن إليهم من السابقين الأولين، وحسبك من كمال البيئة الإنسانية وسعادتها تطور البيئة الجاهلية به إلى البيئة الإسلامية أيام الرسول الكريم صلوات الله عليه وفترة مذكورة بعد أيام الرسول

ثم أجرى المسلمون أنفسهم لسوء حظهم التجربة الأخرى التي يتم بها إثبات أن ذلك التطور المعجز الذي تطورته النفس البشرية لما خالطها الإسلام، كان حقا نتيجة للإسلام لا لغيره. وآية ذلك أن نزول الأثر إذا زال المؤثر، كما يجري في أي تجربة علمية. وقد كان، فزال عن النفس كمالها ومن البيئة عزها لما انخدعت عن دينها، وتعطل أثر الإسلام فيها

فتاريخ المسلمين إذن فيه الخير وفيه الشر، فيه تحقيق الإسلام عمليا وفيه تعطيله. وإذا كان قديم المسلمين يشمل الاثنين بالطبع لأنه عين تاريخهم فإن قديم الدين لا يمكن أن يشترك مع قديم أهله إلا في ذلك الجزء الذي حققوا الإسلام فيه. فقديم الإسلام الذي نقصده والذي قصدناه بما كتبنا من قبل هو أولا كتاب الله وسنة رسوله، وهو ثانيا ما طابق الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>