وإذا فهمنا قديم الإسلام هذا الفهم وتم لنا تحديده هذا التحديد وجدنا أنفسنا أمام شيء يزول معه كل معنى للتفرقة الزمنية بين الأمور، فلا يكون هناك محل في الإسلام لفكرة القديم والجديد كما تفهم الآن. إن الإسلام دين الفطرة، والفطرة عند التحقيق لا يتفاوت فيها في دائرة الحق قديم ولا جديد. إنما يكون التفاوت والتناقض بين الحق والباطل. فكل جديد يخالف قديم الإسلام بالمعنى الذي حددناه هو جديد باطل، نصيبه من البطلان بقدر ما بينه وبين الإسلام من خلاف. وكل ما جدّ للإنسان من حق وقف عليه بعد جهل به والحق الذي عرفه الإنسان من قبل سواء، تشملهما الفطرة، ويشملهما الإسلام الذي يشمل بتشريعه وروحه وكنفه جميع صور الحق وسننه في جميع مدارج الحياة، في جميع مظاهر الكون، ما عرف الإنسان منها وما سيعرف، ما قدر له علمه في هذه الدار وما قدر له بعد هذه الدار.
وليس في الوجوديين دين ولا نظام جمع للإنسان الخير كله والحق كله وحذره من الباطل كله إلا الإسلام. والإنسان يستطيع إلى حد كبير تمييز الحق من الباطل في دائرة المحسوس الذي يستطيع إخضاعه لتجاربه العلمية، أما ما لا يستطيع إخضاعه لتجاربه مما يتعلق بحياة الإنسان الروحية فلا سبيل للوصول إلى الحق والخير فيه إلا بإرشاد الله فاطر الفطرة وبهدايته. وقد فعل سبحانه، فضلاً منه على عباده ورحمة بهم أن يهلكوا إذا تركوا وشأنهم فيما يتعلق بحياة الروح، فإن للروح سننها التي سنها الله كما لغير الروح سننه، ولا مناص للإنسان من اتباع سنن الله وإلا كان من الهالكين. فكان من رحمة الله بالإنسان أن مهد الله له سبيل النجاة والفلاح واطراد الرقي الروحي بالأديان التي أرسل بها رسله تتري حتى ختمها سبحانه وأتمها للإنسانية في الإسلام
والعجيب الغريب من أمر الإنسان في عصرنا هذا أنه يحرص على اتباع سنن الله في عالم المادة ولا يحرص على سننه في عالم الروح. هذا عجيب لأن الذي يقدر سنن الفطرة ويبحث عنها ليستمسك بها في ميدان ينتظر منه أن يقدرها ويبحث عنها ليس ليستمسك بها في غيره من الميادين. فإذا كان فاطر الفطرة سبحانه قد أنزل للإنسان هداية مبينة على سننه في الميدان الذي لا يملك الإنسان إجراء التجارب العلمية فيه كان ذلك أدعى لاغتباط