الإنسان بتلك الهداية من باب أولى. وكان الأقرب إلى العقل أن يحرص الإنسان عليها إن كان مؤمناً بها عن يقين، فإن لم يكن كان الأولى والأقرب إلى العقل أن يسارع الإنسان إلى بحثها وفحص منعاتها الدالة عليها ليصل فيها إلى حكم صحيح وقرار صريح. لكن الإنسان لا يفعل شيئاً من هذا. فلا المؤمن يحرص على الدين كما ينبغي ويدعو إليه كما ينبغي، ولا الشاك يسرع إلى فحص الدين كما ينبغي ليصل فيه إلى قرار صحيح. وأغرب من هذا أن يسمح المؤمنون وهم كثير للشاكين وهم قليل في البيئة الإسلامية أن يبذروا شكهم وينشروه عن شمال ويمين، في نفوس النشء من بنات وبنين
إن البيئة الإسلامية تحسن الدفاع عن نفسها إذا هوجمت في دينها صراحة ومواجهة من أمام، لكنها لا تفقه أن الأمر يحتاج إلى دفاع حين يأتيها الخصم مداورة ويهاجمها في الإسلام بحركة التفاف: لقد تركت لدعاة الغرب الحبل على الغارب يقولون ما يشاءون ويبثون في نفوس صغارها وناشئيها ما يشاءون ما داموا يسلكون إلى ذلك طريق التلميح والإيحاء أو ما داموا لا يهاجمون التوحيد صراحة والقرآن. فلما غر كبيراً فيهم الغرور وظن أن الأوان آن لمهاجمة الدين مواجهة لا مداورة هبت الأمة كلها تذود حتى كادت تبطش به، فلما انزوى عادت إلى نومتها الأولى كأن لم يبق هناك من حاجة إلى اليقظة والانتباه
وكان سلاح دعاة الغرب في مهاجمة الإسلام في صميم بلاده ونفوس أهله هو هذا الأدب الذي يسمونه بالجديد.
والأستاذ (قارئ) يحدثنا أن الذين يسمون الآن بأصحاب المذهب الجديد كانوا في أول الحركة أو منذ ثلاثين سنة رجعيين يدعون إلى الرجوع في النمط الأدبي إلى عصر الجاهلي أيام كانت اللغة خالصة، وكان أدبها خالياً من التكلف في الغزل والمحسنات اللفظية. لئن كان ذلك كذلك فما أظن حركتهم تلك في الأدب كان لها داع ما، لأن كل ما وصفها الأستاذ به وقال إنها تطلبه كان متحققاً بالفعل على يد حافظ وغيره إن لم يكن قبله
ويقول الأستاذ إن أنصارها قرءوا الشعر الأوربي اتفاقاً (فرأوا أن مبادئ رجعيتهم هي مبادئ الأدب الأوربي الصحيح السليم، وأن الأدب الأوربي يعينهم على تحقيق تلك الرجعية) ولسنا ندري كيف يمكن أن يعين الأدب الأوربي على تحقيق تلك الرجعية التي