دخلت مصر يوم الأربعاء الماضي عضواً في جماعة الأمم فكانت تحية دخولها نشيداً من أناشيد النصر هتفت به خمسون دولة من دول التمدن، تمجيداً لأول أرض رأت الحضارة، وأقدم أمة عرفت المدنية، وأعرق دولة قدست المعرفة؛ وكان يوم دخولها عيداً من أعياد الحرية خفقت له القلوب الرزينة ابتهاجاً بظفر الحق بالعدالة، وضمان الاستقلال بالقانون، وتوكيد السيادة بتحقيق المساواة؛ وكان حادث دخولها الفصل الختامي من ملحمة الجهاد المقدس في سبيل الحرية المقدسة، فصفقت له أكف الساسة في العالم، وارتفعت له ألوية السلام في جنيف، وخطب ثمانية وعشرون خطيباً في مجلس العصبة فقالوا في مصر بعض ما قال التاريخ المتحجر الماثل على جبهة الدهر، فما احتك في الصدور شبهة من صرف الحديث ولا زور المجاملة. قال السنيور كيفيدو الأمريكي:(إن الدولة التي تطرق بابنا اليوم تمثل العالم بقدمه وجدته. ولكن هذه المظاهر على تنافرها تتسق فيها فتؤلف شيئاً واحداً كاملاً له قيمة تكاد تكون رمزية بالنسبة إلينا جميعاً. فمصر تدخل بيننا مكللة الجبين بمجد لا نظير له، لأنها البلاد التي نبت فيها كثير من المدنيات، وحفظت على أرضها كثيراً من الشواهد الرائعة على عبقرية بلغ من اتساع مداها أن رفدت كل فن وأمدت كل حضارة. إن مصر صاحبة هذا الميراث العريق في القدم الحافل بالروائع، تتقدم إلينا اليوم في مظهر دولة في ريق الشباب ونضرة العمر وطدت مكانتها على التدريج في المجتمع الدولي، وحصلت على استقلالها بفضل جدارتها الخاصة ونضجها الكامل، ثم قال السيد رشدي آراس وزير خارجية تركيا: (إن هذه البلاد ذات الخطر العظيم بين أمم البحر الأبيض المتوسط. . . قد استطاعت في زمن يسير أن تقطع المراحل المتتابعة في تطورها السلمي المجيد. وإني لأذكر حادثاً تاريخياً يتعلق بروابط مصر القديمة بأحد شعوب آسيا الصغرى، فقد ثبت من الأدلة الأركيولوجية أن أقدم صك دولي، أو أقدم معاهدة سياسية، هي التي عقدت بين المصريين والحيثيين) وقال المستر إيدن وزير إنجلترا: (إننا هنا خمسون دولة ليس بينها من لم يكن مديناً إلى حد ما لحضارة مصر السامية. فقد أن تخرج بعض الأمم التي نمثلها من مجاهلها الأولى بزمن طويل، كانت مصر قد منحت الجنس