[من طرائف الأزهر القديم]
من البكاء إلى الضحك!
لا تزال طوائر المنون تحلق في سماء الإسكندرية فترسل الصواعق
والشهب على أهلها الغافين في أكناف الأمان، فتدك المنازل، وتطحن
الأجساد، وتخسف الطرق، وتقذف الرعب في قلوب الناجين فيخرجون
من دورهم هائمين على وجوههم، في مدارج السهول ومسالك الحقول
وأزقة القرى، حتى إذا ارفض عنهم الهلع واستقر بهم الفرار، نظروا
في أنفسهم، فإذا هم على أرصفة المحطات، أو على حواشي الطرقات،
أو تحت أفياء الجدُر، في ملابس النوم، أو في مباذل البيت، لا يملكون
ما يمسك الرمق ولا ما يستر الجسم، ثم نظروا إلى من معهم، فإذا
زوجة تصحب غريباً وهي تظنه بعلها، وأم تحمل مخدة وهي تحسبها
طفلها، وولد ينادي أمه فلا يجاب، ووالد ينشد أسرته فلا يجد. وحينئذ
ينجلي الذهول، ويتضح الخطب، وتعيد الذاكرة إلى المشاعر تهاويل
المنايا السود في هوادي الليل المقمر، فيذكرون انقضاض القنابل على
المدينة، وانهيار المنازل على الناس، فيعاودهم الفرق فيذهلون، ثم
يساورهم القلق فيرحلون، وهم لا يدرون أين ينزلون، ولا من أين
يأكلون، والناعمون على سرر الذهب وحشايا الديباج ينظرون إليهم
كما ينظرون إلى أسرى الطليان في طريقهم إلى المعتقل، أو يسمعون
بهم كما يسمعون بجرحى الألمان في طريقهم إلى الموت!
أربعمائة ألف أو يزيدون أخرجهم القدر القاهر من ديارهم وأموالهم، ثم تركهم عاجزين في ذمة الوطنية والإنسانية. وإذا علمت أن الوطنية في عرفنا لفظ لا يذكر إلا في دعاية لحزب