لا يدري سليم متى هاجر عمه إلى البرازيل، ولكنه يدري أن أمه كثيراً ما كانت تضمه إلى صدرها وهو صبي صغير، وتهمس في أذنيه أن عمه إبراهيم سيعود يوماً ما من بلد الخيرات، وأنه سيحمل إليه من هناك ذهباً كثيراً، ومالاً وفيراً، ويعيشا بعد ذلك عيشاً سعيداً، هنياً!
ولقد شب سليم وهو يرضع هذا الأمل اللذيذ، ويتطلع إلى أفق يتوهج فيه بريق الذهب!
لم يذهب إلى المدرسة يطلب فيها العلم، ولم يبحث لنفسه عن عمل يعيش منه، فعمه إبراهيم سيعود بالذهب الوهاج ذات يوم، وعندئذ سيتقلب على بساط النعيم، ويعب من متع الدنيا!. . وماذا يضيره لو أن أمه غسلت اليوم ملابس الناس، وخبزت لهم الخبز وتحملت بذلك شيئاً كثيراً من نكد الدنيا وتعب الحياة؟!
شب سليم عن الطوق، واشتد ساعده. . . وهو كلما كبر جسده وانفتل عضله. تضخم في رأسه الأجوف ذاك الأمل الضاحك الذي أرضعته إياه أمه، واشتد في أفق حياته الساذجة بريق الذهب الذي سيعود به عمه أبو خليل. . . من البرازيل!
ولكن الأيام مضت يلتهم بعضها بعضاً، والأعوام تتابعت يسابق بعضها بعضاً، ولا خبر من العم إبراهيم يطرق آذان سليم وأمه الغارقة في مسوحها السوداء. . . حتى كان ذلك اليوم من أيام الشتاء لا يزال سليم يذكره جيداً، لأن الناس لا ينسون الأيام التي تغير مجرى حياتهم!
كان مساء ذلك اليوم البارد يجلس في مقهى القرية يتحارب بقطع النرد على زمرة من زملائه. ومن بعيد سمع ساعي البريد العجوز يسأل عن بيت سليم العنتبلي، فقفز من مقعده في غير وعي، وجرى نحو ساعي البريد يختطف من يده الرسالة ويهرع بها إلى مختار القرية ليقرأهاله!
ولا يستطيع إنسان أن يصف سعادة الفتى حين كانت الكلمات تنساب من فم المختار العجوز بصعوبة لتتسلل إلى أعماق سليم العنتبلي وتهزه هزاً رفيقاً هيناً؛ فيه نشوة من