اختلف المؤرخون ومفسرو القرآن الكريم في هذه الأساطير الكثيرة التي زخرف بها كل من حادثي الإسراء والمعراج، ولم يشأ الثقات منهم أن يتورطوا في تصديق كل ما عُزي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قاله؛ ورجح بطلان هذه الأحاديث اختلاف روايتها بالزيادة والنقصان في مختلف كتب التفاسير والسِّير. وقد وقف منها الإمامان - البخاري ومسلم - موقفاً حازماً فلم يثبتا في صحيحهما إلا هذا الحديث المشهور القصير الخاص بزيارة جبريل للنبي وركوبه (ص) البراق ثم الإسراء به فمروره ببعض قوافل العرب ثم بلوغه بيت المقدس، فصلاته بالأنبياء ثمة، فعروجه إلى السماء الأولى وفيها فلان النبي وإلى الثانية وفيها فلان، حتى يبلغ سدرة المنتهى.
ولعل أقدم المصادر التي أوردت زيادات على حديث البخاري ومسلم، ويبدو عليها أثر شديد من الصنعة والتكلف، هي سيرة ابن هشام التي نسج على منوالها كتاب السير الآخرون. وقد رفض صاحب الكشاف أن يثبت في تفسيره شيئاً من تلك الزيادات، ولكن مع الأسف الشديد، تورط مفسرون أجلاء مثل الطبري والألوسي وابن كثير وغيرهم فرووا كل ما وضع الوضّاعون وزخرف المبطلون من حواشٍ وتهاويل عن الإسراء والمعراج ثم تركوا كل ما رَوَوْا من غير ما تمحيص ولا تزييف، فكان عملهم تزكية صامتة لهذه الترهات التي لم تنفرج شفتا الرسول عن حرف واحد منها.
ولقد بدا لنا ونحن نقارن ما جاءت به أسطورة المعراج الموضوعة بما جاء في كوميدية دانتي؛ ولا سيما في الجزء الخاص بجهنم في كل منها، أن يكون هؤلاء الوضّاع قد سطوا على خيال دانتي نفسه فانتحلوه لحادث المعراج، ورَوَوْا، وليتبوءوا مقعدهم من النار، عن الرسول الكريم هذا الحديث الطويل عن فئات المجرمين الذين رآهم يتعذبون بمختلف ألوان