العذاب في دركات السعير. . . خيل إلينا أنهم سطوا على دانتي، ولكنا عدنا فوجدنا هؤلاء الوضاع يسبقون دانتي بمئات السنين، فأسقط في أيدينا، وأوشكنا نقر القائلين بأن دانتي تأثر في كوميدياه بأسطورة المعراج الملفقة، بعد إذ نفينا ذلك، وهنا، رأينا المخرج صعباً، وفي فشل البحث الذي أخذناه على عاتقنا هوان علينا؛ ولكنا ما كدنا نلخص الجزء السادس من الأنيد للشاعر اللاتيني الخالد فرجيل حتى حصحصت الحقيقة أمام أعيننا، وحتى أيقنا أن كلا من دانتي ووضاع الأحاديث الملفقة عن حادث المعراج كلٌّ على فرجيل وعيال على خياله الخصب وتصوُّرِه العميق.
والمحققون من علماء المسلمين والمستشرقين على السواء على أن الترهات الكثيرة والزخارف الباطلة التي نقرؤها في غضون كتب التفسير (كالخازن وغيره) هي إسرائيليات انتقلت إلى الإسلام باعتناق بعض اليهود لهذه الحنيفية الغراء، فهم عندما قرءوا في القرآن أسماء أنبيائهم وبعض الحوادث المشهورة الواردة في كتبهم راحوا من تلقاء أنفسهم يقصون قصصهم الإسرائيلية على أنها إسلاميات يقرها كتاب الله وحديث رسول الله، ومن هنا هذا البهرج الكثير الذي دخل على القصص الإسلامي، ومن هنا أيضاً ضياع الحقيقة بين ما قال الرسول الكريم وما لم يقل.
على أننا لا ندري لماذا يكون كل ما دخل على الرواية الإسلامية إسرائيلياً ولا يكون أشمل من ذلك؟ لم لا يكون هندياً مع من اعتنق الإسلام من الهنود، ومصرياً مع من اعتنق الإسلام من المصريين، وفارسيا مع الفرس وآشوريا مع الآشوريين ويونانيا مع اليونان، ثم لم لا يكون لاتينيا مع من اعتنق الإسلام من أمم البحر الأبيض المتوسط، وفيها أسبانيا وصقلية وجزر كثيرة من جزر هذا البحر؟!
لقد ازدهرت الثقافة الإسلامية في فارس والعراق والشام ومصر وتونس والمغرب والأندلس وصقلية، بل هي كانت تمتد إلى أبعد من ذلك، إذ أثبت المحققون أنها كانت تغزو فرنسا وسويسرا وبعض المدن الإيطالية، ولم تكن ثقافة إسلامية بحتة، بل كانت خليطاً عجيباً من أشتات الثقافات، كانت مزيجاً أقله إسلامي وأكثره محلي بحسب الإقليم الذي تتفشى فيه. ومن الإرهاق أن تفرض الثقافة الإسلامية نفسها على الأمم المغزوة دون أن تتأثر هي بثقافات تلك الأمم، ونحن نعلم أن رومة حينما فتحت أثينا عسكرياً كانت أثينا