للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفنون]

رمبراندت

للدكتور أحمد موسى

أراد الله أن يكون خلود الشخصية وقفاً على الغنى أو الجاه، كما شاء ولا راد لمشيئته أن يمنح الإنسان عقلاً يميز به موضع الجمال في خلقه، فيقدسه ويستلهم منه وحياً لحياته التي لا تعتبر حياة بمعناها الكامل إلا إذا رجعت في جوهرها إلى التمييز

وكأن الشخصية التي نحللها اليوم من تلك الشخصيات التي لم يكن للغنى يد في تخليدها، ولا للجاه أي اثر في تكوينها، بل رجع الفضل فيها إلى الفن الذي عبر عنه رمبراندت تعبيراً استلهمه من الواقع الملموس طامحاً به إلى الكمال المنشود

ولد رمبراندت فان راين في منتصف يوليو سنة ١٦٠٦ بليدن لأبوين فقيرين، اشتغل الوالد طحاناً محدود الرزق؛ أما أمه فكانت الزوجة المخلصة البريئة

شب الولد بسيط النشأة والمعيشة لم ير أحد على ملامحه أي اثر للنزعة الفنية، كما انه هو نفسه لم يكن يدري ماذا يكون من أمره في مستقبل الأيام

والشخصية في نظر التاريخ لا يتحتم أن تكون فذة في العلم أو الأدب، ولا في السياسة أو الحرب؛ لان الحضارة في اكمل معناها تقوم على أركان لا يقل الفن فيها قيمة عن أي ركن آخر، بل إن شيلر شاعر ألمانيا الأعظم يقول: (إن الحضارة الحق يجب أن تمهد سبيل الحرية للإنسان، وأن تعينه على الوصول إليها، كما يجب أن تشغل فراغ عقله حتى يصبح بها قادراً على الشعور بوجدانه مادام انه مخلوق ذو إرادة)

وهكذا كان إنتاج رمبراندت ممهداً السبيل للشعور بالحرية في تراثه المجيد، الذي إذا تأملناه شعرنا بالوجود، وانتعشت فينا الإرادة إلى العمل والانتاج، بل والى الاستمتاع إلى حد بعيد، اعني انه ترك وراءه ركناً هاماً من أركان الحضارة الإنسانية!

ونبوغ التلميذ لا يتوقف دائماً على قدرة أستاذه؛ وهذا ما يلاحظ على رمبراندت؛ فعندما التحق بالعمل عند سواننبرج في ليدن سنة ١٦٢١ لم يكن معلمه هذا من الدرجة الأولى؛ ومع انه استمر يتلقى مبادئ الفن عليه ثلاث سنوات؛ فقد سافر إلى أمستردام لزيادة المعرفة؛ فتلقى الدرس على لاستمان نصف سنة عاد بعدها إلى بلدته ليدن، وبدأ حياته

<<  <  ج:
ص:  >  >>