للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صوم رمضان بين العلم والأدب]

للأستاذ ضياء الدخيلي

وإذا طوينا النواحي العلمية لصوم رمضان وأقبلنا نتحسس صداه في الشعر ونتلمس أثره في الأدب العربي وجدنا رمضان عبئاً ثقيلاً على الشعراء المتحللين من قيود الإسلام الأدبية وإن كانوا اسماً في ربقة المسلمين، أقصد أولئك الشعراء الهائمين في وديان الغرام وراء الجواري والغلمان المترددين بكثرة على حانات الخمور ومواخير الفجور، قال أبو نواس يهجو رمضان ويتبرم من ظله الثقيل على أهوائه:

إلا يا شهر كم تبقى ... مرضنا ومللناكا

إذا ما ذكر الحمد ... لشوال ذممناكا

فياليتك قد بنت ... وما نطمع في ذاكا

لقد كان رمضان كابوساً على الشعراء السادرين في بيداء الضلالة الهائمين وراء اللذات في كل واد، ساحقين في سبيل متعتهم كل القيود الأدبية. ولم يقتصر عليهم ثقل الصوم فهناك نفوس لا تتحمل الجوع ولا ترضخ لهذه الرياضة النفسية والجسمية فتثور في وجه التقاليد وتعلن تمردها على أحكام الصوم ومن ذلك ما قاله أعرابي ألزم بالصوم في مدينة جاء يزور أقاربه فيها فلم يطق الصوم وأرتحل وهو يقول:

يقول بنو عمي وقد زرت مصرهم ... تهيأ أبا عمرو لشهر صيام

فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلام عليكم فاذهبوا بسلام

فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطر ... على ولا مناع أكل طعام

وقال إعرابي آخر حضته امرأته على الصوم فأباه:

أتأمرني بالصوم لا رد درها ... وفي القبر صوم يا أميم طويل

روى ذلك ابن قتببة الدينوري في عيون الأخبار. ولكن الشعراء الذين قيدتهم التربية الإسلامية وزجرتهم عن مهاوي اللهو والباطل والمغريات بالفساد كانوا يرحبون بهذا الشهر الذي فيه تدريب النفس وضبطها وكبح جماحها ففي غالية المواعظ لنعمان الألوسي قال شاعر يرحب برمضان:

قد جاء شهر الصوم فيه الأمان ... والعتق والفوز بسكنى الجنان

<<  <  ج:
ص:  >  >>