إذا كان لك فضيلة يا أخي، وكانت هذه الفضيلة خاصة بك فأنك لا تشارك فيها أحداً سواك. ولا ريب في أنك تريد أن تدعوها باسمها وتداعبها لتتسلى بها، ولكنك بهذا أشركت بها الناس بما أطلقت عليها من تعريف، فأصبحت أنت وفضيلتك مندغمين في القطيع
خير لك يا أخي أن تقول: إن ما تلذ به روحي وتتعذب به يتعالى عن الإيضاح، ويجل عن أن يسمى، وهذا العجز عن إدراكه يخلق المجاعة في أحشائي
لتكن فضيلتك أسمى من أن تستخف بالأشياء عند تحديدها، وإذا ما اقتحمت هذا التحديد، فلا تستحي من أن تتلفّظ به تمتمةً، فقل وأنت تتمتم:
- إن هذا هو خيري الذي أحب، إن هذا ما يثير إعجابي، فأنا لا أريد الخير إلا على هذه الصورة. لا أريد هذه الأشياء تبعاً لإرادة ربّ من الأرباب ولا عملاً بوصية أو ضرورة بشرية، فأنا لا أريد أن يكون لي دليل يهديني إلى عوالم عليا وجنات خلود. . .
قل: ما أحب سوى فضيلة هذه الأرض، لأن ما فيها من الحكمة قليل، وأقل منه ما فيها من صواب متفق عليه. إن هذا الطير قد بنى عشه على مقربة مني، لذلك أحببته وعطفت عليه، وها هو ذا الآن يحتضن عندي بيضه الذهبي
على هذه الوتيرة تكلّم وأنت تتمتم ممتدحاً فضيلتك
لقد كان لك فيما مضى شهوات كنت تحسبها شروراً، أما الآن فليس فيك إلا الفضائل، وقد نشأت هذه الفضائل من شهواتك نفسها، لأنك وضعت في هذه الشهوات أسمى مقاصدك فتحولت فيك إلى فضائل وملذات هي منك ولك، ولسوف ترى جميع شهواتك تستحيل إلى فضائل، ولسوف ترى كل شيطان فيك يستحيل ملاكاً حتى ولو كنت ممن يستسلمون للغيظ والشهوات وكنت من فئة الحاقدين المتعصبين
لقد كانت الكلاب المفترسة تسكن دهاليزك من قبل، فها هي ذي الآن أطيار مغرّدة. لقد