للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حول التعليم الإلزامي]

هؤلاء الجنود المجهولون

للأستاذ محمد كامل حتة

إلى الأستاذ الجليل صاحب الرسالة

ليس عجيباً أن يجري قلمك في قضية المعلم الإلزامي بما جرى به من البيان الرائع والدفاع المحكم والحجة البالغة؛ فأن هذا القلم الذي وقفته على نصرة الحق في جميع صوره وقضاياه خليق بان يكون له في هذه القضية بلاء يزلزل جوانب البغي، ويفضح مسارب الهوى، ويسفر عن أوجه الحق وضيئة ساطعة!

أن قضية المعلم الإلزامي، هي في الواقع ومع النظر الدقيق، ليست ألا قضية الأجيال المقبلة التي تتكون على يديه وتنطبع على غراره. وليس من اليسير أن نتصور حياة هذه الأجيال ومظاهر وجودها شيئاً منفصلاً عن حياة هذا المعلم الإلزامي ومظاهر وجوده. ومن هنا كان الوضع الحاضر للمعلم الإلزامي جريمة في حق الشعب الذي تتصايح الدعوات في كل مكان بالحرص على مستقبله والرغبة في إنصافه وإسعاده. وكان المقياس الصادق للوطنية في مصر ما يبذل في سبيل المعلم الإلزامي من جهود مخلصة، تهيئ له النهوض بأعبائه الثقال في مكافحة الجهل والفقر والمرض والانحلال، وتنشئة الأجيال القادمة على الصورة التي تتحقق بها معاني الوجود ومقومات الحياة. . .

أما أن يضيق على المعلم الإلزامي في الرزق، حتى لا يكاد يقيم أوده ويستمر مظهره ويلحق بقافلته؛ ثم يحمل من الأعباء الثقال عملاً مرهقاً وحساباً عسيراً وتقديراً مجحفاً، ثم تتكأكأ عليه التهم الجائرة والدعايات النكراء، فتلك إساءات مؤذية، أهون مظاهرها أن تصيب أشخاص المعلمين الإلزاميين وأسرهم، وأخطر حقائقها أنها تصيب الشعب في آماله ومستقبل أجياله؛ لأن هذه الأجيال لن تكون إلا صورة مضطربة من هذه الحياة الشقية التي يحياها أولئك المعلمون، مهما حبرت وزارة الشئون الاجتماعية في مجلتها من الصحائف، ومهما افتنت في وضع البرامج الأخاذة والمشروعات الموشاة، ومهما تباكى أدعياء الإصلاح غيرة على مستقبل هذا الشعب البائس المحروم!

ولعل من الحقائق المؤلمة أن التراث الذي أورثتنا إياه القرون المتعاقبة على مصر قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>