أقلعت الحمى المزعومة عن جسد عائدة الرشيق الغض، فشعرت شعور الفتاة الصحيحة بأن رجلاً أجنبيا في غرفتها فنهضت بحكم الغريزة تتعهد مواضع احتشامها، وتجمع بيدها ما تشعث من هندامها. ثم نظرت إلىَّ بطرفها الساجي نظر المطمئن الشاكر.
فقلت لها: كيف تجدينك الآن يا آنسة؟
فأجابت في ابتسامة خجلة وصوت خريد:
- أجدني والحمد لله كأن لم يكن بي شئ. وأنا لنعتذر إليك يا سيدي من إزعاجك في مثل هذه الساعة. والحق أني لا أعرف كيف جرى ذلك! شكوت أول الليل فترة في جسدي لعلها مسة من البرد؛ فلما قاس أخي حرارة جسمي وقال إنها ثلاث وأربعون درجة اعتقدت أني مشرفة على الموت، لأن فهمي لا يمزح في مثل هذه الحال، والميزان لم يغشنا قبل هذه المرة؛ وحينئذ شعرت بدمي يفور، وبنفسي يتتابع، وبنبضي يسرع، وبروحي تذوب، وبجسمي ينحل؛ ثم نزلت بي غشية الموت فرأيت ثلة من القديسين وفي أيديهم الأناجيل. يرتلون من حولي آيات الغفران وأدعية الرحمة. فلما أوشك السرج أن ينطفئ سمعت قديسا من بينهم يقول ضاحكا: إن حالتها تكاد أن تكون طبيعية، وإن حرارتها سبع وثلاثون درجة ونصف! ففتحت عيني فإذا بك واقف على سريري وفي يدك الميزان؛ ثم فهمت من الحديث الذي جرى أن حرارة المصباح الشديدة هي التي رفعت الدرجة حين أدناه أخي من لهيبه وقلبه طويلا على حره. حينئذ فتر الدم الغالي وأبطأ النبض السريع وتماسك الروح والقلق وخف الجسم الثقيل، فنهضت أشكر عائدي الكريم وأعتذر إليه، وجلست أطمئن بيتي المرتاع وأسري عنه.
فقلت: نحمد الله على أن جعل مرضك وهما لا حقيقة، ونسأله ألا يصيبك المرض إلا بهذه الطريقة. ثم هممت بالانصراف، فأقسم المعلم فهمي ألا أخرج حتى أشرب قدحا من شاي شحاتة، أو كأساً من عرق (عزور).
فقلت له وأنا أمكن لنفسي في الكرسي المخلع:
- لا بأس أن أيز يمينك بأخف الضررين. هات الشاي نشربه على صحة الآنسة.