فذهب شحاتة يطبخ شايه وسرعان ما رجع خزيان يعتذر بأن زجاجة المصباح الأصفر قد تحطمت في الفزعة التي سببها المصباح الأكبر.
فقلت لهم: وماذا يضطركم إلى الاستضاءة بالنفط والعمارة كلها تستضئ بالكهرباء؟
فأجاب المعلم في لهجة الأستاذ وهيئة العبقري:
- خلاف بيني وبين شركة النور على التأمين الذي نأخذه مقدما من المشترك، هي تريد أن (أدفعه)، وأنا أريد أن أمنعه. ومعاذ الله أن أكون مغفلا كجميع مشتركيها فأنزل لها عن بعض مالي بغير حق. إن التأمين مال ميت، لأنك لا تستفيد منه ما دام النور، والنور لا تستغني عنه ما دامت الحياة. وقد تحدثت في ذلك إلى رئيس الوزراء فاقتنع ووعد بن يطلب من الشركة إما أن تأخذ التأمين بأجر، وإما أن تكتفي منه بالتأمين على استهلاك شهر.
ومنذ تلك الليلة تفتحت بيننا الأبواب وتكشفت دوننا الحجب، فأصبحنا نتذاكر فضول النحو في مكتب فهمي، وأمسينا نتناقل شهي الحديث في مجلس عائدة. وأنفقت لي مع الآنسة الطيبة خلوات أنست فيها النفس بالنفس، واطمأن عليها الضمير إلى الضمير، فعلمت من دفائن صدرها أنها أحبت، وأن حبيبها كان من أهل الرؤاء الباهر والثراء القليل، كان يعمل في تقطير (العرق) وجلب (الملوحة)، ويطمع منها في صداق ضخم يوسع به معمله، ويبني عليه مستقبله؛ وكانت هي ترجو أن تدبر له هذا الصداق من تجارة أبيها الرابحة في القطن والزيت. ومضى على هذا الحب العنيف العفيف ثلاثة أعوام كانت في خلالها تلقى فتاها في إيابها من المدرسة، أو في ذهابها إلى الكنيسة، فيضحان هواهما المكظوم المحروم بما تيسر من أناشيد الغزل وأحاديث المنى، ويتشاوران في مستقبل هذا الحب الجائش النامي: متى يعرف الأبوان، ومتى تعلن الخطبة، ومتى ينعقد (الجبنيوت)، ومتى يكون الزفاف؟ وانتهى التشاور بينهما ذات يوم إلى أن يتقدم الخاطب في الأحد القريب إلى أبويها فيطلب يدها ويعلن خطبتها. ومضت هي تهيئ سمع أمها إلى هذا الخبر؛ وكانت الأم قد عرفت عن طريق غريزتها وأمومتها سر هذا الحب فلم تدهش حين صارحتها ابنتها به. ووعدتها أن تظفرها في وقت واحد برضا الأب وضخامة الصداق. ولكن أمها مرضت في ذلك الأسبوع مرض الموت فتأجلت الخطبة. ولحق بها أبوها بعد عام فتجدد التأجيل. ولم يمل الخاطب