[الدوحة الذاوية]
للأستاذ محمد محمد علي
كانت تنشر ظلالها على ذلك الغدير الرقراق الذي تلتقي عنده مدارج السيول وتنعكس على صفحته ألوان السحب التي تظلل سماء القرية وكان الخريف يبتسم لها فتورق وتزدهر غير أنه في هذه المرة تنكر لها فغادرها شبحاً لا رواء فيه ولا ماء.
زينة الحي جردتك الأعاصير ... فواها للمة الخضراء
كنت كالغادة المدلة تستج ... لي رؤى من جمالها في الماء
كنت طيفاً من الجمال وضيئاً ... لابتسام الخميلة الفيحاء
كنت فناً إزاءه كل فن ... مستخف كالقطر في الدأماء
رب حسناء تحت ظلك أزكت ... وقد حسى بالمقلة الحوراء
وابتسام وميضه في حياتي ... كافترار البروق في الظلماء
رب شرب أقام حولك عرساً ... بابلياً في ليلة حمراء
يا عكاظ الطيور أين نشيد ... عبقرى للقينة الورقاء
أين تلك الوكون تطفح بشراً ... أين ظل يرف فوق الماء
واضطراب النسيم يخرج قسراً ... من فروع نضيرة ميساء
وائتلاق الشعاع فوق اخضرار ... سندسي في الليلة القمراء
ذاك عهد طوته منك الليالي ... في سموم وزعزع نكباء
أنت مثلي وكل من بات مثلي ... غارق في غيابة الأرزاء
عقني الدهر في رجائي وأهلي ... وابتهاجي بخيرة الخلصاء
الظلام الظلام يفعم نفسي ... ويح نفسي من وحشة الظلماء
والصباح المأمول مات بأفقي ... في غيوم النحوس والبأساء
جاءك الغيث والبروق اشرأبت ... من فروج السحائب الدكناء
أغمضت أعين النجود فردت ... سهم لحظ يشير في استهزاء
غرها الخلد والشباب نضير ... وانطلاق في القبة الزرقاء
واضطراب في الأرض يصرع جيلا ... أثر جيل من سائر الأحياء