من القضاء الغريب بين الفرزدق وجرير ما رواه الأستاذ المردمي عن الأغاني:(تنازع في جرير والفرزدق رجلان من عسكر المهلب. فارتفعا إليه وسألاه، فقال: لا أقول بينهما شيئاً ثم دلهما على الخوارج. فلما تواقف الجيشان بدر أحد المتنازعين من الصف إلى عبيدة بن هلال اليشكري الخارجي فسأله عنهما ففضل جريرا: قال من الذي يقول:
وطوى الطراد مع القياد بطونها ... طي التجار بحضرموت برودا
فقال: جرير. قال: هذا أشعر الرجلين).
فالذي يلوح لنا في هذه الحكومة أن الخارجي رأى بيت جرير أمير شعره وأن ليس للفرزدق شبهه فقضى له، أو أن من يفرض مثل هذا البيت حقيق بالتقديم (ونذر في هذا المقام البحث عن قيمة هذا البيت وخطره) أو أن عبيدة التفت إلى الديانة ففضل المتقي على من فجر.
وإن تفضيل قائل على قائل لمعنى من المعاني المذكورة لهو الحيف المحض، وخروج على سلطان الحق، ألا (لا حكم إلا الله) ولا قضاء مقبول إلا من مقسط ذي نصفة.
ولولا أن يغضب أو أن يشرى صاحبنا الأستاذ أبو إسحق أطفيش نزيل القاهرة ومن علماء إخواننا الأباضية وفضلائهم - لشننا على (الشراة) غارات، وفندنا (مقالاتهم) الخارجية بمقالات في (الرسالة الغراء) متلاحقات. . .
وممن عادل الخارجيَّ في جنفه في حكمه، بل أربى على جميع الجَوَرة في القضايا الأدبية الحسن بن بشر الآمدي صاحب (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) فقد ظهر في كتابه (أجور من قاضي سذوم) وأرانا كيف يكون الظلم العبقري (استعان الرجل بالله - كما قال - على مجاهدة النفس ومجاهدة الهوى وترك التحامل) وأقبل يوازن، فماذا صنع؟
يأخذ بيتا لحبيب قال في معناه الوليد وينصب ميزانه، وهواه الوازن.
ولأبي تمام أبيات عبقريات، كل بيت منها بديوان، وله قصائد باهرات مدهشات.
هذه لا توضع في الميزان، وقد كان قال: (أنا لست افصح بتفضيل أحدهما على الآخر