ما أظنك رأيت ناسكا من قطان الصحارى والكهوف الواردة أساطيرهم في الكتب يستيقظ في الفجر يسبح ربه ويقضي نهاره على وتيرة واحدة في الأكل والصلاة ثم يودع الشمس الغاربة بأدعية الحمد والتوسلات إلى الباري العظيم أن يدني اليوم العظيم يوم الخلاص من الحياة الدنيا. فإذا شاقك أن ترى شبيهاً لحياة البلادة والكسل وتزاحم أيام الأسبوع وتدافعها حتى ينقضي اليوم الأخير من الشهر، فانظر إلى الفرقة القومية وراقب أعمالها تر ذلك الناسك بعجزه وبجره، لا فرق بينهما إلا في صيغة الدعاء والابتهال إلى الله العظيم أن يصرف أذهان نواب الأمة عن مناقشة ميزانية وزارة المعارف التي تمنح إعانة لنساك من الممثلين كهوفهم قهوات عماد الدين وكتبهم أوراق البوكر والكونكين
وإذا أردت مثلاً صارخاً لبلادة الناسك ومحافظته على الهدوء كالتمساح يهضم ما ابتلعه من فريسة على مهل فاذهب إلى دار الأوبرا واحضر تمثيل رواية عطيل، فأنت ترى نفس أبطال الممثلين والممثلات الذين لعبوا أدوار هذه الرواية بعينها سنة ١٩١٢ فلا فارق فيما كانوا عليه قبل سبع وعشرين سنة إلا ما سوف أذكره بالتفصيل، وفيما يجب عليهم إدخاله على فن التمثيل من محسنات وتصحيحات لمواقفهم السابقة. ولا شك في أنك تسائل نفسك ما معنى استقدام مخرج أوربي ليحل محل مخرجين مصريين أقصاهما مدير الفرقة ليتيسر له دفع راتب المخرج الأوربي الذي لم يستطع أن يغير حرفاً من الناموس القديم؟
المخرج الأوربي على شيء من فهم فنه ولا شك، وقد أقام البينة على ذلك، ولكنه ويا للأسف تأقلم فسرت إليه عدوى الموظف الراكن إلى الراتب الفاتن، المكتفي بإبراز عمل يرضي الرئيس ولا يغضب الممثلات والممثلين فصار يساير هذا ويجاري ذاك كأنه كتلة أصيلة من بيئة المسرح المصري
وعلى هذا القياس تم التجانس والانسجام بين رجل الإدارة ورجل الفن ورجل التمثيل،