ظل أرستوفان يدعو قومه إلى السلم وينفرهم من الحرب، وظل يسخر من القادة المغرورين ويستهزئ بشكل الحكومة وديمقراطية الغوغاء، فلم يزدد قومه إلا عناداً، ولم تزدد جيوشهم إلا هزيمة، ولم تزدد أثينا إلا فساداً وانحلالاً. فلما بح صوته من دعوة السلام والتنديد بنظام الحكم انصرف عنهما آيساً، وفرغ لأستاذه وعدوه يوريبيدز، يقصر عليه نشاطه الأدبي، ويصب عليه جام نقمته، وما أورثه فشله في دعوة السلام من مرارة وغيظ
وقبل أن نخوض مع أرستوفان في هذه المعركة على فخر المسرح اليوناني لا نرى بداً من التمهل قليلاً لنلخص ملهاتين عظيمتين ألفهما الشاعر الساخر قبل الانقضاض على يوريبيدز. . . أما إحداهما فمن أمتع ما نظم أرستوفان، وأما الأخرى فهي أمتع وأعظم ما ألف طول حياته، إلا إذا كان فيما ضاع من كوميدياته ما هو أعظم منها
ففي سنة ٤١١ق. م أخرج أرستوفان ملهاته ليستراتا، وقد نظمها تنفيراً لقومه من الحرب، وصيحة مضحكة في سبيل السلام. . . ولا بد أن الأثينيين كانوا أمة من المجانين حين حاول أرستوفان أن يصرفهم عن آلامهم وما تترك الحرب في كل بيت من بيوتهم من مناحة تمزق القلوب وتفتت الكبود وتفجر المدامع، ليضحكوا ملء أشداقهم من كوميديات مواطنهم المهرج العظيم!! لله كم كنا نتمنى لو لم يفقد ذلك الجزء الثمين من كتاب الشعر لآرسطو الذي تناول فيه فلسفة الكوميديا لنعرف رأيه في علة ازدهار الأدب الكوميدي في فترة حروب البليبونيز خاصة حتى بلغ أوجه بين أنين الجرحى وعبرات الثكالى وأحزان الموجوعين
يصور أرستوفان في ملهاته لسسترا بطلة حازمة تدعو إلى نبذ الحرب ونشر لواء السلم، فما تزال بصويحباتها (نساء أثينا) تحضهن على ذلك وتكون منهن حزباً قوياً تنتهي إليه الغلبة في أثينا الديمقراطية، فإذا احتج الرجال وأخذوا يناوئون حركة النساء اقترحت الزعيمة على توابعها حرمان الرجال من ممارسة (المسألة الزوجية!!) حتى يفيئوا إلى الحق ويرجعوا عن هذه المجزرة التي تودي بأبنائهم وبأنفسهم في غير طائل. . وقد تعمدنا