هنا أن نعكس ما أثبته أرستوفان في ملهاته، فقد قصد أن تكون النساء نساء أسبرطة وهو في الحقيقة لم يعن غير نساء أثينا. . . ثم تنتهي الكوميديا بخضوع رجال أسبرطة ومجيئهم طائعين مختارين يطلبون الصلح من الأثينيين فتضع الحرب أوزارها ويكون السلام على الأرض (!!) وقد كان أرستوفان ماهراً في تلطيف عقدة ملهاته الفاجرة التي لا نحسب أنها كانت تخطر لأديب ببال في سبيل وقف حرب المورة، تلك الحرب التي استمرت تهلك الحرث والنسل ثلاثين عاماً طوالاً فكادت تكون بسوساً يونانية بل هي كانت شراً من بسوس العرب. . . فأي سلاح هو أمضى لوقف الحرب من إضراب النساء عن منح الرجال حق المباشرة الجنسية! أليست الفكرة فكرة جريئة وإن تكن فاجرة داعرة؟ لقد كان المسرح اليوناني الكوميدي يجيز ما هو أشنع من اللستراتا أضعافاً مضاعفة، وقد كان أرستوفان عفاً في ملهاته هذه إذا قيس بزميليه أمفيس وألكزيس اللذين كانا يحشدان في ملاهيهما ما لا يسمح قانوننا ولا عرفنا ولا أخلاقنا بعرض صورة منه ولا الخوض اليسير فيه. . . ومع ذاك فقد كان أرستوفان لبقاً في التضحيك على نسائه وإن كان دائماً في جانبهن ضد الرجال، وقد زاد في إشاعة الروح الكوميدي فيهن بجعلهن عربيدات لا يعقدن مؤتمراتهن إلا حين تعبث الخمر بهن وتروي مشاشهن جميعاً أما أبرع كوميدياته وأمتعها على الإطلاق فهي بلا شك (الطير)، وقد ألفها سنة ٤١٤ أي قبل لسستراتا بثلاث سنوات فكانت آية آياته كلها حيث ارتفع بها إلى ذروة الفن الكوميدي وأشاع فيها المرح وجافى بينها وبين الواقع، وبناها على الكذبة الكبرى التي هي أساس الكوميدي اليوناني. وقد قلد فيها سوفوكليس من حيث سرعة العرض ونشاط الأداء والتنقل من مشهد إلى مشهد في خفة وتشوف، كما قلد فيها الشاعر الغنائي الخالد أرفيوس من حيث روعة الأغاني وجمالها وانسجامها وعلوها عن مستوى الغناء الكوميدي الذي كان يقصد به إلى الشعبذة والتهريج لا إلى الفن الخالص الرفيع
استطاع اثنان من أهالي أثينا هما بيثتيروس وإيولبيدز، أن يكتشفا حقيقة عجيبة لم تكن لتدور في روع أحد ولا تخطر يوماً في قلب بشر. . . استطاعا أن يعرفا ما عرفه الشاعر سوفوكليس من قبل، وهو أن ملك الطير إيبوبس هو نفسه الملك تيريوس ملك تراقيا الذي كان يحكمها في سالف العصر والأوان قبل أن يُسحر إلى هدهد وقبل أن يتربع على عرش