ذكرنا أن المدح قد احتل الجزء الأكبر من دواوين الشعراء في ذلك العصر. ولم يكن في هذا المدح معنى مبتكر، ولا خاطر جديد، ولا فكرة مخترعة، ولا تشبيه محدث. بل ردد الشعراء المعاني القديمة التي سبقهم إليها الأقدمون. ولم يحسنوا أداء هذه المعاني كما أحسن السابقون. فتراهم إذا مدحوا ملكا شبهوه في العدل بكسرى، وذكروا عجز قيصر إلى البلوغ إلى مرتبة الممدوح فالساعاتي يقول:
رفع القواعد من دعائم دولة ... عزت به فنظيرها لا ينظر
قد طاولت بالعدل كسرى واعتلت ... شرفا وقصر عن مداها قيصر
وصالح مجدي يقول في سعيد:
عدل كسرى وإن سما لا يساوي ... عشر معشار عدل هذا العميد
قيصر الروم عزمه في قصور ... عند صدر مؤيد وسعيد
فهؤلاء الشعراء كما ترى مفلسون من المعاني لا يجدون أمامهم غير كسرى وقيصر. وإذا مدحوا الحاكم بالجود والكرم قالوا: بأن جود معن وحاتم لا يذكر بجانب كرم هذا الممدوح.
وكر عمرو لا يقاس بكر ممدوحهم، وذكاء إياس لا يساوي ذرة من ذكائه. وهم يكررون هذا في معظم قصائد المدح. فمن ذلك قول إبراهيم مرزوق في عباس الأول:
ما حلم أحنف؟ ما سماحة حاتم؟ ... ما كر عمرو؟ ما ذكاء إياس؟