للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شروح وحواشي]

ذكرى حافظ:

عجبت لهذا البؤس العنيف الملح كيف لازم حافظاً في عمره الأول ثم أبى ذكراه أن يفارق في عمره الثاني!!

قطع هذا البؤس مع الشاعر مراحل عمره الفاني جميعا فترك حياته المضطربة من غير منارة ولا مرفأ وداره الموحشة من غير ولد ولا زوج، واسمه النابه من غير جاه ولا مجد، وقلبه الشاعر من غير عزاء ولا أمل، ثم فرق بينهما الموت فانقلب حردان يعبث بما خلف الشاعر في الدنيا وفي الناس من أثر وذكرى، فتنكر الحكومة حافظا لأن من أسماء البؤس السياسة، وتهمل الخاصة حافظا لأن من أسماء البؤس النكران، ويغفل الشعب حافظا لأن من أسماء البؤس النسيان، وتثور الحفيظة من هذا الجحود بأصدقاء حافظ فيعتزمون إقامة حفل وتأليف كتاب وتشييد ضريح، ولكن البؤس المغيظ يطوف على أولئك الأصدقاء في دورهم، فيقول لأغنيائهم: امسكوا عن البذل، ولأدبائهم: امسكوا عن الكتابة، فحسب كل امرئ ما تباكره به الصروف كل يوم من هموم ومغارم! ويذكر الشباب الذين طالما هدهد الشاعر عواطفهم بأغانيه، وخلد مواقفهم بقوافيه، أن يوم الذكرى يقع في الحادي والعشرين من شهر يوليو. فيريدون أن يكفروا اليوم عن تقصير الأمس، فيقرر (اتحاد الجامعة المصرية) إقامة حفلة تأبينية، ثم يعلن عن مكانها وزمانها في الصحف، ويتقدم إلى الأدباء والوجهاء بالدعوة، ويعد الأستاذ (البشري) كلمته فيمن أعد، ثم يقبل من ظاهر القاهرة إلى نادي الاتحاد فلا يجد غير البواب يتحدث إلى نفر من زملائه، عن تعويض الحكومة للنوبيين وموعد أدائه! فيعجب الأستاذ ويغضب، ويستمر عجبه وغضبه يومين حتى يقرأ في بعض الصحف أن اتحاد الجامعة قد رأى تأجيل الحفلة إلى الأسبوع الأول من نوفمبر لتكون حفلة جامعية يشترك فيها أساتذة الجامعة وأقطاب الأدب. . . وأعجب من عجب الأستاذ ألاّ يخطر هذا السبب الخفيف ببال الاتحاد، إلا بعد إعلان الحفلة وتحديد الميعاد!! بؤسا لك يا بؤس حافظ!! لقد أسرفت في العبث حتى اتهم الوفاء، وتظنن البعداء وتردد على السنة الناس قول صاحبك:

فما أنت يا مصر دار الأديب ... وما أنتِ بالبلد الطيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>