للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة ذكرى المولد]

للأستاذ علي الطنطاوي

احتفل العالم الإسلامي كله أول أمس بذكرى مولد سيد العالم وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الاحتفال يعد فرصة سانحة من فرص الدعوة إلى الإسلام، والسعي في سبيل الإصلاح، تفيدنا فائدة كبيرة إذا نحن عرفنا طريق الاستفادة منها ولم نجعلها قاصرة على إقامة السرادقات الفخمة، وإيقاد آلاف من المصابيح الكهربائية، وإطلاق البارود في الجو، والاجتماع على ترتيل قصة المولد والتطريب فيها، وتلاوة الأغاني والأناشيد، وأكل الحلويات والأنقال، والتسلي واللهو والطرب، وإضاعة الأموال بلا حساب.

وطريق الاستفادة منها، أن يبحث الخاصة من رجال وأولياء الأمر، في مجالسهم واحتفالاتهم أدواء المسلمين اليوم، ويصوروها ويفتشوا عن أدويتها، وأن يضعوا خططاً جديدة للدعوة، ومناهج للعمل المثمر، وأن تشرح السيرة النبوية للعامة في مجامعهم واحتفالاتهم، وينبهوا إلى مواطن العبرة فيها، لأن ذلك هو المراد من الاحتفال بالمولد، لا سرد الأخبار الموضوعة، والعجائب والخرافات، واللهو والطرب، وأن تبين لهم مزايا الإسلام وفوائده، وأصوله ومبادئه، لأن الكثيرين من المسلمين لا يعرفون من الإسلام إلا أسمه، ولا يفرقون بين طبيعة الإسلام وطبائع الأديان الأخرى، ولا يعلمون أن الأديان كلها أديان فقط، بمعنى أنها جاءت بعقائد وعبادات وأخلاق، أما الإسلام فهو دين، وهو تشريع، وهو سياسة، وهو أدب. وانظر في أي مسألة من مسائل الفكر الكبرى، أو أي أمر من أمور الحياة، تر للإسلام رأياً فيه وحكماً، فالتشريع الإسلامي أغزر أو من أغزر وأصفى المنابع التشريعية في العالم. والإسلام قد أقر الحرية الفكرية، ووضع أصول البحث العلمي، بما أمر به من دراسة الكون، والنظر في ملكوت السموات والأرض، والإسلام قد وضع أسس السياسة العامة، والشرع الدولي، والإسلام وحده هو الذي يحل المشكلة الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، وينقذ الإنسانية من استبداد المتمولين، وجحود الفرديين، ومن خيالات الاشتراكيين، وبلاء الشيوعيين، بما جاء به من قواعد حكيمة عادلة للزكاة والمساواة ونظام الحكم. وللإسلام بعد ذلك كله حكمه في كل عمل من أعمال الإنسان، فلا يخلو عمل على

<<  <  ج:
ص:  >  >>