للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإطلاق من أن يكون له حكم في الدين وللدين دخل فيه، فيكون مباحاً أو مندوباً أو واجباً أو مكروهاً أو حراماً، ولا يستطيع المسلم أن ينسى الإسلام لحظة أو يمشي بدونه خطوة.

ثم إن هذه الأحكام كلها مساوقة للعقل - موافقة له - سائرة مع العلم. والإسلام يقدر العقل حق قدره، ويجعله الموجب الأول، ويربط المسؤولية والتكليف به، ويخاطبه دائماً ويعتمد عليه ولا يخالفه أبداً. ولم يستطع أحد إلى اليوم ولن يستطيع في الغد أن يجد قضية شرعية قطعية، تناقض قضية عقلية قطعية، فلا يثبت الشرع محالاً في العقل ولا يحل ثابتاً، ولا يخالف أصلاً من الأصول الثابتة في العلم. وأعني بالأصول الثابتة الحقائق والقوانين العلمية، لا الفروض والنظريات وأيسر نظرة يلقيها العاقل البصير على كتب الدين، وأقل إلمامة بعلومه، تثبت هذا الذي ذكرنا.

فإذا كان هذا هو الإسلام، وهذه منزلته من العلم والمدنية فلماذا ينصرف عنه أكثر الشباب؟ إنهم منصرفون عنه لأنهم لا يعرفونه. ومن أين يعرفون وهم لا يدرسون منه في المدارس إلا شيئاً تافهاً لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ثم إنهم لا يجعلونه ولا يحلونه إلا دون الدروس كلها. وسبب ذلك أن الطلاب إنما يقرءون ويجدون ابتغاء النجاح في الامتحان والدين لا يدخل في امتحان رسمي أبداً لا في الشام ولا مصر ولا العراق. وهذه مناهج الكفاءة وما دونها، والبكالوريا وما فوقها، فيها كل علم إلا علوم الدين. وليس الغرض من حذفها والمانع من إثباتها وجود طلاب غير مسلمين في هذه الامتحانات، فإن ذلك يمكن تلافيه، بأن يمتحن كل طالب في دينه، وتدعى كل أمة إلى كتابها، ولكن ذلك شيء تعمده الأجانب يوم كانت سياسة البلاد وإدارتها ومناهجها في أيديهم وكان أمضى سلاح حاربونا به في ديننا وأبنائنا، فكيف نبقى عليه وقد انتقلت سياسة البلاد ومناهجها إلى أيد وطنية يريد أصحابها الخير لبلادهم والصلاح؟

ثم إن هؤلاء الطلاب إذا خرجوا من المدرسة، وبقي فريق منهم على شيء من التدين وأحبوا أن يطالعوا علوم الإسلام، لم يجدوا كتاباً سهلاً جامعاً بين دفتيه خلاصة ما يجب على الشاب المسلم أن يعرف من أصول الدين وفروعه، وإنما يجدون كتباً في علم الكلام مشحونة بالمجادلات الجوفاء. والرد على ملل قد بادت ونحل قد نسيت منذ مئات السنين، وعرض شبهها وضلالاتها؛ وكتباً في الأصول معقدة غامضة، لا يفهم الشاب شيئاً منها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>