في ليلة السابع والعشرين من شوال سنة ٤١١ من الهجرة (١٣ فبراير سنة ١٠٢١م) خرج الحاكم بأمر الله يطوف كعادته في شعب المقطم حيث اعتاد أن يرصد النجوم، ثم لم يعد من جولته قط، ولم يعرف إنسان خبره أو مصيره قط؛ وكل ما عثر عليه بعد ذلك من آثاره، حماره الأشهب وقد وجد معرقباً في طريق حلوان، ثم ثيابه مزررة وبها آثار الطعان في بركة قريبة من حلوان.
بيد إن اختفاء الحاكم تلك الليلة الشهيرة، واجتماع مختلف القرائن والآثار على مصرعه بيد الجناة، لم يكن خاتمة حاسمة لعهده وسيرته وذكراه. اجل أعلنت وفاة الحاكم، وأقيم ولده أبو الحسن على مكانه في كرسي الخلافة، وذلك يوم النحر (١٠ ذي الحجة سنة ٤١١هـ) لأسابيع قلائل من اختفائه، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله؛ وبدأت الخلافة الفاطمية عهداً جديداً؛ ولكن ذكرى الخليفة الذاهب لبثت تغمر الأفق مدى حين، وتثير في المجتمع مختلف الفروض والأساطير. ذلك أن أدلة الجناية لم تكن واضحة، ولم يقم دليل قاطع على القتل أو الوفاة، ومن جهة أخرى فان الحاكم بأمر الله لم يكن فيما زعموا شخصية عادية يغمرها العدم كما يغمر سائر البشر، وتطوى آثارها من ذلك العالم لتغيض في العالم الآخر بتلك البساطة التي أحاطت باختفائه. ألم يكن الحاكم شخصية خارقة تهيم في الخفاء، وتزعم الاتصال بعوالم الغيب، وترنو إلى مدارك السمو فوق البشر؟ ألم يقدمه الدعاة السريون إلى الناس بأنه (ناطق الزمان) وانه آلة وروح حل في صورة البشر؟ وهل من كانت هذه خواصه ومزاعمه يسري عليه قانون الفناء كما يسري على جميع الناس؟
لقد اجمع معظم الروايات المعاصرة والمتأخرة على إن الحاكم ذهب ضحية المؤامرة والجريمة على اختلاف بينها في مدبري المؤامرة ومرتكبي الجريمة. ومعظمها على إن الذي دبر المؤامرة أخته الأميرة ست الملك، وذلك لما بدا من إسرافه في قتل الزعماء