ورجال الدولة، وما ارتكب من التصرفات العنيفة المتناقضة التي هزت أسس المجتمع وقلبت أوضاعه؛ وأخيراً لما جنح إليه من حماية الدعاة الملاحدة الذين نادوا بألوهيته؛ فهذه الأسباب حسبما تقول الرواية هي التي حملت أخته على تدبير مصرعه اتقاء لنشوب ثورة تودي بالعرش وبتراث الدولة الفاطمية كله؛ أما شريك ست الملك ومنفذ الجريمة، فهو الحسين بن دواس زعيم قبيلة كتامة، وكان يخشى سطوة الحاكم وفتكه؛ وأما القتلة فهم عبيده أو هم جماعة من البدو اعترضوا الحاكم في طريقه ليلة اختفائه بحجة التماس الإحسان والصلة، ورتبهم المتآمرون لقتله؛ أما جثته فقد حملها الجناة إلى أخته فدفنتها في نفس مجلسها: هذا ملخص ما تقوله الرواية في شأن المؤامرة والجريمة.
وهذه الروايات ليست موضوعنا في هذا البحث؛ وهي ليست كل شيء في تلك المأساة العجيبة؛ وإنما نعني في هذا البحث بطائفة أخرى من روايات ذات نوع خاص ودلالة خاصة، لا تأخذ بنظرية المؤامرة أو الجريمة، ولكنها تؤيد فكرة الاختفاء العمد والهجرة الأبدية، وتسبغ بذلك على ذهاب الحاكم لونا من الخفاه الغامض، كذلك الذي يغمر شخصيته وحياته كلها؛ وإذا كانت هذه الروايات تجنح في مجموعها إلى نوع من الأسطورة، فإنها مع ذلك تدخل في عداد التاريخ وتستحق الدرس بهذه الصفة، خصوصاً، وان ما تقدمه إلينا من التفاصيل والوقائع ليس في ذاته مستحيلاً ولا خارقاً.
وأول رواية من هذا النوع رواية كنسية كتبت في عصر الحاكم ذاته، ووردت ضمن سير البطاركة، أو سير البيعة المقدسة في ترجمة الأنبا زخاريا البطرك القبطي المعاصر للحاكم؛ وخلاصتها، إن الحاكم خرج إلى الجبل ذات ليلة، وسار في الجبل ومعه ركابي واحد إلى أن بلغ حلوان، ثم نزل عن حماره؛ وأمر الركابي أن يعرقبه ففعل، ثم أمره بالانصراف إلى القصر وتركه بمفرده، فعاد الركابي كما أمر؛ فلما لم يعد إلى القصر في اليوم التالي سأل رجال القصر هذا الركابي عن سيده، فأجابهم بأنه تركه في حلوان، وعاد وحده نزولاً على رغبته، فمضوا في طلبه، فوجدوا الحمار معرقباً، وبحثوا عن الحاكم في كل موضع، فلم يجدوه ولم يقفوا له على خبر أو اثر.
ووردت في تأريخ الكنائس المنسوب لأبي صالح الأرمني، والذي كتب في أواخر القرن السادس الهجري رواية مماثلة نصها:(وبهذه الناحية (أي حلوان) نزل الإمام الحاكم بأمر