للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المقترحون والمؤلفون]

للأستاذ عباس محمود العقاد

بين جمهرة القراء في اللغة العربية طائفة لا ترضى عن شيء ولا تكف عن اقتراح، ولا تزال تحسب أنها تفرض الواجبات على الكتاب والمؤلفين، وليس عليها واجب تفرضه على نفسها

إن كتبت في السياسة قالوا: ولم لا تكتب في الأدب؟

وإن كتبت في الأدب قالوا: ولم لا تكتب في القصة؟

وإن كتبت في القصة قالوا: ولم لا تكتب للمسرح أو للصور المتحركة؟

وإن كتبت للمسرح والصور المتحركة قالوا: ولم لا تحيي لنا تاريخنا القديم، ونحن في حاجة إلى إحياء ذلك التراث؟

وإن أحييت ذلك التراث قالوا: دعنا بالله من هذا وانظر إلى تاريخنا الحديث فنحن أحق الناس بالكتابة فيه

وإن جمعت هذه الأغراض كلها قلوا لك: والقطن؟ وشؤون القرض الجديد؟ ومسائل العمال، ورؤوس الأموال؟ وكل شيء إلا الذي تكتب لهم فيه

وقد شبهت هذه الطائفة مرة بالطفل المدلل الممعود: يطلب كل طعام إلا الذي على المائدة، فهو وحده الطعام المرفوض

إن قدمت له اللحم طلب السمك، وإن قدمت له الفاكهة طلب الحلوى، وإن قدمت له صنفاً من الحلوى رفضه وطلب الصنف الآخر، وإن جمعت له بين هذه الأصناف تركها جميعاً وتشوق إلى العدس والفول، وكل مأكول غير الحاضر المبذول

سر هذا الاشتهاء السقيم في هذه الطائفة من القراء معروف. سره أن الجمهور القارئ في بلادنا العربية لم (يتشكل) بعد على النحو الذي تشكلت به الجماهير القارئة في البلاد الأوربية. وإنما نعد الجمهور القارئ متشكلا إذا وجدت فيه طائفة مستقلة لكل نوع من أنواع القراءة، وإن ندر ولم يتجاوز المشغولون به المئات.

وسنسمع المقترحات التي لا نهاية لها، ولا نزال نسمعها كثيراً حتى يتم لنا (التشكيل) المنشود، وهو غير بعيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>