ولسنا لهذا نستغربها كلما سمعناها من حين إلى حين لأنها مفهومة على الوجه الذي قدمناه
ولكن الذي لا نفهمه أن نتلقى تلك المقترحات من كاتب نابه يعرف حاجة الأمة العربية إلى كل نوع من أنواع القراءة، ولا سيما تاريخها القديم مكتوباً على النمط الحديث
فغريب حقاً أن يشير كاتب نابه إلى كتابة الدكتور هيكل وكتابتي عن أبي بكر وعمر؛ فيقول كما قال كاتب المصور:(. . . حسن جداً هذا السباق وقد أجدتما الجري في ميدانه، ولكن هل نسيتما أن أبا بكر وعمر كتب عنهما مائتا كتاب؟ وأن في عصرنا الحاضر موضوعات قومية ووطنية وتاريخية ومالية واجتماعية تستحق منكما نظرة ومن قلميكما التفاتة؟ وأن أكثر طلابنا لا يعرفون عن تاريخ بلادهم الحديث حرفا، وأن صدر الإسلام بحمد الله قد وفاه أئمته وأدباؤه وشعراؤه من العرب حقه فلم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وفوها وشرحوها وفصلوها، وبقى تاريخ مصر الحديث والقديم بغير بحث ولا تحليل؟. . .)
غريب هذا الرأي من (المسئولين) كما نسميهم في لغة السياسة وإن لم يكن غريباً من غير المسئولين
وتتم غرابته لأنه يجمع من الأخطاء في بضعة أسطر ما يقدر أن يجتمع منها في صفحات
فبالأمس سمعنا دعوة إلى انفراد كل جنس بالكتابة عن جنسه، فلا يكتب عن المرأة إلا المرأة، ولا عن الرجل إلا الرجل، ولا يسمح للرجال أن يكتبوا عن الحوادث التي تدور وقائعها بين الرجال والنساء
واليوم نسمع دعوة أخرى إلى انفراد كل جيل بالكتابة عن جيله الذي يعيش فيه ولا يتعداه إلى جيل آخر، فلا يسمح لنا نحن أبناء العصر الحاضر أن نكتب عن شيء يتجاوز القرن التاسع عشر راجعاً أو القرن العشرين متقدماً إلى الأمام
رأي غريب لو صحت مقدماته وأسبابه
وإنه لأمعن في الغرابة حين نرجع إلى المقدمات والأسباب فلا نرى مقدمة منها أو سبباً يقوم على ركن صحيح
إذ ليس بصحيح أن أبا بكر وعمر قد كتب عنهما مائتا كتاب إلى الآن، لأن الذي كتب عنهما إنما كتب عن الحوادث والأخبار في عصرهما، وهو مع ذلك لا يزيد على أصابع