أما (الصورة النفسية) التي تصور لنا كلا منهما على حقيقته الإنسانية فلم توصف قط قبل هذا الجيل. ومتى وصفت صورة نفسية عن إنسان في زمن من الأزمان فهي صورة عصرية تهم الإنسان حيث كان من أول الزمان إلى آخر الزمان
بل الواجب المفروض على كل أمة تنبعث إلى الحياة أن تجدد فهم تاريخها وتعقد الصلات الوثيقة ما بينه وبينها، ولا تقتصر على فهمه كما كانوا يفهمونه قبل مئات السنين
وعلى أنه لو صح أن المصنفات التي كتبت عن عظماء التاريخ العربي فيها الكفاية التي تغني عن المزيد من التصنيف والتصوير فليس في ذلك حجة تتجه إلينا وتسوغ الملامة علينا
لأننا لم نترك جيلنا الحاضر معرضين عن أبطاله وزعمائه وأصحاب الأثر في حياته القومية والوطنية؛ بل كتبنا عن (سعد زغلول مجلداً ضخماً يساير الحركة الوطنية من الثورة العرابية إلى اليوم الذي تمت كتابته فيه، وساهمنا بحصتنا في هذا الباب إن كانت هناك حصة مفروضة على كل كاتب في موضوع من الموضوعات
ولكننا في الواقع لا نعتقد أن هناك واجباً مفروضاً على الكاتب غير الإجادة في موضوعه الذي يتناوله كائناً ما كان
وليس هناك موضوع يكتب كتابة حسنة ثم لا يستحق أن يقرأ ولا يفيد إذا قرئ قراءة حسنة
فالبطل القديم الذي يدرس على الوجه الصحيح هو موضوع جديد في كل عصر من العصور
والبطل الحديث الذي يساء درسه خسارة على القارئ والكاتب والبطل المكتوب عنه؛ لأن العبرة بتناول الموضوع لا بالموضوع. والعبرة بأسلوب العصر الذي تتوخاه وليست بالسنة التي يدور عليها الكلام
فالكتابة عن سنة ١٩٤٣ بأسلوب عتيق هي موضوع عتيق. والكتابة عن آدم وحواء بأحدث الأساليب العلمية أو النقدية هي موضوع الساعة الذي لا يبلى
وأولى من الاقتراح على الكتاب أن نقترح على القراء أن يقرءوا كل ما ينفعهم كيفما اختلفت موضوعاته، لا أن نشجع (الولد المدلل المعود) على رفض كل ما على المائدة