(شاعر أتى بما أخجل زهر النجوم في السماء، كما قد أزرى بزهر الربيع في الأرض)
هكذا يصف (ابن شاكر) صاحب فوات الوفيات بلبل الحلة وحماة والقاهرة: صفي الدين. وكأنه إذ يفاخر به الطبيعة في جمال أرضها وسمائها على ما حوى ذلك الجمال من نور وشذا وألوان وسحر، يريد أن يسجل لنا باعترافه دليلا دامغا على أولئك الذين يزعمون أن الأدبالعربي قد أخذته الصيحة يوم حطم التتار عرش المستعصم في بغداد!
نعم هناك أناس يعتقدون أن الأدبالعربي بعد سقوط بغداد قد أجدبت أرضه وهوت نجومه، فأصبح لا ينتج إلا دنئ النبات، ولا يستضئ إلا بخافت الذبالة، وإنه قد ظل عن منابع الوحي فانزوى تحت قبة ذلك العصر المظلم المغمور الذي يسمونه عصر المغول والأتراك أو عصر الدول المتتابعة، ولكن هذا الزعم مبني على نظرية مخطئة ذاعت في مبدأ دراسة الأدب، ثم أخذت معاول الآراء الحديثة تهدمها من كل جانب، وهي التي كانوا يعبرون عنها بقولهم الأدبظل السياسة، فحيثما ولت السياسة وجهها تبعها خيالها، وكلما ألم بها سقم تقاسمته مع خدينها، ولهذا جعلوا عصور الأدبمن حيث القوة والضعف مطابقة التقسيم لعصور السياسة، كأن الأدبشخص قابع تحت عرش الملك يحين أجله إذا انقض عليه العرش فهشم أضلاعه!
لم يمت الأدببعد أن ماتت بغداد، وإنما ألجأته السياسة فقط إلى الفرار من مجال الفوضى والوهن، فهام على وجه قليلا، ثم ألقى العصا في معاقل حصينة يستطيع فيها أن ينصب رايته وينشر بساطه بعد ذلك اللغب والإعياء. كانت هذه المعاقل منبثة في الأقطار العربية ولكنها ترجع جميعا إلى ثلاثة مراكز قوية: مصر كما تمثلها القاهرة، والشام كما تمثلها حماة، وجزيرة العراق كما تمثلها ماردين. وبين هذه المراكز ظل الأدبالعربي يتنقل طليقا حيا معلنا عن نفسه بأفذاذ نوابغ لا يقل بعضهم عن أعلام العصر العباسي في ريعان شبابه، ومن هؤلاء أبن نباتة المصري وصلاح الدين الصفدي، وابن حجة الحموي، وعلاء الدين بن الأثير، وصفي الدين الحلي الذي نتكلم اليوم عنه من حيث هو شاعر.
نشأ صفي الدين بالحلة من مدن العراق مهد الوحي الشعري الغامر شاعرا بفطرته: يحب الشعر ويطرب لما فيه من موسيقى وانسجام، فأكب على حفظ كثير من مقطوعاته وهو لم