للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللغة. . . والوطن. . .]

للأستاذ دريني خشبة

يوشك الداء الوبيل الذي تفشى في أفريقيا الشمالية، ولا سيما في تونس والجزائر، أن يتفشى على الصورة نفسها في سوريا ولبنان. وها نحن أولاء نرى جراثيمه في دور الحضانة في مصر. . .

يوشك هذا الداء الوبيل الذي زعزع أركان اللغة العربية في تونس والجزائر، أن يزعزع أركان هذه اللغة في سوريا ولبنان، لأن العلية من إخواننا السوريين واللبنانيين يعدون اللغة الأصلية التي يأخذون بها أنفسهم وأبناءهم منذ الطفولة هي اللغة الفرنسية، فهم يحلونها محل العربية في مدارسهم ومعاملاتهم وأحاديثهم، وبالتالي فهم يفكرون بها، ويمزجون بها دماءهم، ويملأون بها أحلامهم، ويقومون بها ألسنة أطفالهم، حتى ليستطيع الطفل السوري أو اللبناني أن يحاورك بالفرنسية في سهولة ويسر، في حين أنه يعجز عن فهمك ومبادلتك الحديث إذا قصرت المخاطبة على اللغة العربية

ويجب قبل كل شئ أن تشغلنا هذه القضية عن كل تأويل يصح أن يؤول به الدافع الذي حدا بنا إلى الكتابة في هذا الموضوع الذي عزمنا على الخوض فيه عقب دعوة جمعت بين أسرتنا المصرية وبين أسرة سورية كريمة عرف اثنان منها على الأقل، في العالم العربي كله برسوخ القدم في الفكر والأدب والاجتماع ومنهما إحدى زعيمات النهضة النسائية العربية في الشرق الأدنى. فلقد هالني أن أرى السيدة النبيلة تخاطب أطفالها بالفرنسية فيجيبوها في انطلاق عجيب أكد لي أن هؤلاء الأطفال قد ثقفوا الفرنسية قبل أن يشدوا العربية. . . وهذه هي القضية التي أطرحها أمام القراء اليوم، وأمام الرأي العربي العام في جميع الشعوب العربية، لما فيها من الخطر الجسيم الذي نستهين به أول الأمر، ثم لا يلبث أن يجتاح كل مقوماتنا من لغة ودين وعادات ووطنية، ثم يؤدي آخر الأمر إلى الانسلاخ من الشرق، والضياع بين الأمم؛ لأننا مهما أتقنا الفرنسية فلن نصبح فرنسيين، ومهما استبدلنا الإنجليزية بالعربية فلن نكون من الإنجليز ولا كالإنجليز، ولن نجني على أنفسنا إلا شراً مستطيراً وبلاء كبيراً كهذا الشر وذاك البلاء اللذين تغص بهما تونس والجزائر اليوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>