وأنا إن كنت أخص سوريا ولبنان بالذكر فلست أصدر في ذلك إلا عن هذه المحبة التي أكنها ويكنها كل شرقي مخلص لهذين القطرين الشقيقين اللذين كانا في عصر مجيد من عصور هذا التاريخ العربي، كعبة اللغة العربية ومحور الثقافة العربية، وقطب الرحى في الشعر العربي، عنهما تأخذ كل الأقطار العربية، وإليهما تهفو قلوب العرب، وفيهما يخفق القلب العربي بالحكمة والسياسة والشعر والنثر والرواية والقصة وعلوم الشريعة وما إلى ذلك كله من الأمجاد العربية. . .
١ - وبعد. . . فما الدافع يا ترى إلى تمسك الآباء والأمهات في هذين القطرين العزيزين بتعليم أطفالهم الفرنسية قبل أن يثقفوا العربية؟ هل هو هذا الاستعلاء السخيف الذي تأخذ به أسر مصرية كثيرة، والذي مظهره عدول هذه الأسر بأطفالها عن المدارس المصرية إلى المدارس الأجنبية التي ما فتحت أبوابها في مصر والشرق إلا للاعتداء الصريح على قومياتنا وأدياننا ولغتنا واستقلالنا وكراماتنا؟ أو هو سبب اقتصادي يتعلق بمستقبل هؤلاء الأطفال في أوطاننا التي يغزوها الاقتصاد الأجنبي غزواً يريد اليوم أن يتحكم في وسائل التعليم كما حاول من قبل أن يتحكم في كل شئ آخر؟! أو هو قصر نظر منا نحن الشرقيين حين تبهرنا بهارج الغرب الزائفة، فنقع كالفراشة في نارها دون وعي ولا تدبر ولا تفكير؟
اللهم إن كان السبب هو الاستعلاء الذميم عن أن يبدأ أطفالنا التعلم باللغة العربية لا لشيء إلا أنها لغة عربية. . . وما يتصوره التعساء منا من أنها لغة الفقراء، أو لغة الطبقة الثالثة، فلشد ما نرتكب بهذا التصرف الخيانة الوطنية العظمى ضد وطننا وضد الشرق وضد العروبة
أما إن كان هو السبب الاقتصادي فيما يتعلق بمستقبل الأطفال في ذاك الوسط الذي يغزوه الاقتصاد الأجنبي، فعلاجه شئ آخر ليس هو البدء بتعليمهم اللغة الأجنبية قبل أن يثقفوا لغة بلادهم الأصلية
أما إن كان قصر نظر منا معاشر الشرقيين، فعلاج ذلك إعلان الحرب عليه، والأخذ بسياسة جديدة في تعلم اللغات الأجنبية
٢ - ولعل انتشار مدارس البعثات الدينية هو أكبر الوسائل التي أدت إلى إهمال اللغة العربية كأداة أساسية من أدوات التعليم، إذ تعلم معظم المواد، بل كلها، في تلك المدارس