بلغة أجنبية، ومن هنا تنقطع الصلة بين الطفل وبين لغة بلاده، بل بينه وبين بلاده، ووطنيته، ودينه؛ ومن هنا أيضاً استخفاف الطفل، حين يصبح رجلاً، والفتاة، حين تصبح أما، بالشرق، وباللغة العربية، وبما يتصل بالشرق وباللغة العربية من ثقافة وعادات ودين. ومن هنا أيضاً نظرة المتعلمين من هذا الطراز إلى إخوانهم الشرقيين على أنهم برابرة متوحشون. ومن هنا أيضاً عداؤهم المر للغة العربية وثقافة اللغة العربية ولكل ما له صلة بالعرب. والعجيب في أمرنا أننا نقبل على التعلم في تلك المدارس إقبالاً شديداً، ونحن نقبل ذلك الإقبال الشديد لسببين، أولهما أننا لا نجد من المدارس الوطنية ما يقوم بمهمة تعليم أطفالنا، والسبب الثاني هو هذا اللألاء الكاذب الذي نضفيه على تلك المدارس الأجنبية، والذي لا تستحق منه إلا ما يعدل أغراض تأسيسها التي أشرنا إليها
٣ - وقد كانت النتيجة الأولى لهذا البلاء أن نشأ أبناؤنا الذين تعلموا في هذه المدارس وهم أضعف ما يكونون في اللغة العربية، فهم يخطئون في نحوها، ويخطئون في التعبير بها، وإذا كتبوا بها رأيتهم يكتبون كلاماً عربياً في مظهره سبقه تفكير بلغة أجنبية؛ وهنا يبدو الشذوذ في التراكيب، وتشيع الركاكة في الأساليب، ويلتوي الفهم، وتعتاص على القارئ متابعة الكاتب، فيزور عنه، ويضيق به، ثم يطويه وفي نفسه من الهم والحسرة على اللغة العربية ما فيها
وإذا قلت إن آثار ذلك بادية مع الأسف الشديد في كثير من أقلام الصحافة اللبنانية والسورية فإنما أقوله ولا أقصد مطلقاً أن أعيد إلى الأذهان هذا الحديث السخيف عن الزعامة الأدبية بين لبنان ومصر. . . إنما أقوله وبنفسي من المحبة للبنان ولسوريا ما لا يقل عن محبة اللبنانيين والسوريين بلادهم التي نفتديها بالمهج، وأقوله لأن قضية اللغة العربية هي قضيتنا جميعاً، وقد قدمت أن هذا الداء الذي يوشك أن يزعزع أركان اللغة العربية في لبنان وفي سوريا قد بدأت جراثيمه دور حضانتها في مصر، فكثير من الأسر المصرية تتخاطب فيما بينها بالفرنسية من غير ما ضرورة تلجئهم إلى ذلك إلا الاستعلاء الذميم على أشرف لغات الأرض والسموات! وقد تعلم أبناء هذه الأسر في مدارس تشبه المدارس المنتشرة في سورية وفي لبنان
٤ - ولعل جريرة ذلك تقع على كاهل الحكومات العربية بقدر ما تقع على كاهل الشعوب