حين فتحت عينيّ في الصباح كنت كالذي يستيقظ من حلم مرعب. . . لم أكن شهدت ما يؤرقني ويزعجني، ولكني أعلم أني أويت إلى فراشي وعلى شفتيّ هذه الأسئلة التي يدور بها ذهني وينطلق بها لساني: ماذا تفعل هنا؟ أي شيء هذا العلم الذي تجهد له، وتعني فيه الوقت والصحة والشباب؟ ما يكون من شأن العربية التي تعمل لها وتنطوي جنديا من جنودها إن قدر لصهيون أن تحقق أحلامها، وأن ترفع أعلامها، وأن تنشيء سلطانها في هذه البقعة من البلاد العربية. . . أين يقع هذا العمل الذي تحبس نفسك عليه من هذه المعارك التي تدوي، والنفوس التي تستشهد، والبلاد التي توشك أن تضيع بين حمق القيادات، وحقد الزعامات وأطماع السياسات، وحقارة الأغراض. . . أين أنت. . . وما شأنك وهذا الطريق؛ لا طريق غيره قبل أن تسوى معالمه، وترفع صواه، وينتهي إلى غايته من طرد العدوان، وصد الطغيان، ورد الغزو الأحمق.
ولم تكن هذه هي الليلة الأولى التي أواجه فيها هذا الحساب العسير. . . فقد كانت هذه الأسئلة تتخذ ألف لون، وتصطبغ ألف صبغة. . . وكانت تأخذ عليَّ مسالكي في النهار إذا ابتدأ النهار، وفي الضحى إذا ارتفع الضحى، وفي الظهيرة حين أقطع في الظهيرة هذا الطريق الذي تستلقي عليه الظلال مكدودة ممزقة، بين الجامعة وهذا البرج العاجي القريب الذي أعيش فيه. . . وكانت تسد عليَّ دروبي كلما هممت أن أعمل أو أفكر أو أكتب، فلا يكون في طاقتي أن أخلص منها أو أنتهي بها إلى رأي حاسم. كانت تتجاذبني موجات من لهبة الروح وخمود الجسم، من دفقة القلب وخور الأطراف، من قسوة الواقع ومن رخاوة النشأة. . فلم يكن لي أكثر من أن أرتد إلى هذا الماضي ألعن هؤلاء الذين سيطروا على ثقافتنا من رجال الانتداب، فزينوا لنا الحياة جنة وحريرا، وما كانت إلا لهباً وسعيرا، وجهاداً كبيرا. . .
وفي خطى مضطربة سريعة، كنت أمضي لأمد يدي إلى الباب أجذب الجريدة التي ترك الموزع نصفها ممتداً إلى داخل البيت ونصفها الآخر على العتبة الخارجية، فعل الرجل