للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين المعري ودانتي]

بقلم محمود النشوي

في رسالة الغفران والكوميدية المقدسة

في سماء الأدب العربي تتألق رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. وفي سماء الأدب الطلياني تتألق الكوميدية المقدسة لشاعر الطليان دانتي اليجييري وفي كل منهما خيال يقرب من الخيال الآخر حتى ظن كثير من الأدباء أن شاعر الطليان سرق شاعر العرب. وان خيال المعرة انتقل إلى فلورنسا. وسواء لدينا أسرق دانتي فكرة المعري أم هي المصادفة أتاحت لكل منهما ما أتاحته للآخر، ففي كل من الروايتين حوار مع أهل الجنة وأهل النار، وفي كل منهما رحلة في دركات الجحيم، وفي طبقات الجنة، سنعرض لذلك كله بالموازنة والتحليل ما اتسعت لنا صفحات الرسالة الغراء.

التعريف بالشاعرين

في سنة ٩٧٣ م ولد أبو العلاء المعري في سنة ١٠٥٩ انتقل إلى قبره بعد أن عمر ستة وثمانين عاما، ولم يكد يناهز الرابعة من عمره حتى أصابه الجدري فذهب بعينيه.

وكأن الله أراد أن يعوضه عما فقده من حاسة البصر، فرزقه حافظة تعلق بها الكراريس العدة إذا تليت عليها مرة واحدة وكأني به استوعب ما احتوته قريته المعرة من العلوم والمعارف فرحل إلى العواصم الإسلامية يرتشف منها مناهل العلم، فزار حلب وإنطاكية وطرابلس الشام واللاذقية وبغداد، إلى أن بلغ من العمر سبعة وثلاثين، فزهد في الدنيا واعتزل الناس في منزله بالمعرة. وقضى بقية حياته رهين المحبسين: العمى والمنزل، فأوحت إليه عزلته ما ظهر في لزومياته وفي رسالة الغفران.

وأما دانتي فولد في سنة ١٢٦٥ وتوفي سنة ١٣٢١ بعد أن عاش ستة وخمسين عاما.

ولقد كان جده كاتشا جويدا المسلمين في صفوف الصليبين لاغتصاب بيت المقدس تحت آمرة الإمبراطور كوناردو الثالث. وكأني به اشتد على المسلمين في حربه، فانعم عليه ذلك الإمبراطور بلقب فأما والده فقد كان من غمار الناس ودهمائهم لم يترفق بدانتي حينما توفيت أمه بل تزوج امرأة تدعى لابا أذاقته الآم الحياة وهو في عهد الطفولة، حتى إذا اشتد

<<  <  ج:
ص:  >  >>