ساعده قليلا هرع إلى مدارس الفرنشسكان يتعلم الدين قليلا من الهندسة والحساب، متتلمذا للقديس فرانشسكودي اسيزي، ولا يزال يتشرب روحه وتعاليمه حتى أدركه دور المراهقة فوقع في إشراك من الغرام امتدت نحوه من الفتاة بياتريشي تلك التي ألهبت شاعريته، وكان لها اثر كبير في كوميديته المقدسة، ثم توفيت تلك الحبيبة في سنة ١٢٨٩ فزادت الآم. غير أن نجمه بدأ يتألق في سماء السياسة فاختير عضوا من ستة أعضاء يحكمون في مدينة فلورنسا التي كانت تعصف بها الحروب الأهلية. والأمر ما اغتاظ منهم البابا بونيفاشيو عليهم شقيق ملك فرنسا كارلودي فالوا فأخذ مدينتهم، وفر دانتي مع الهاربين بعد أن حكموا عليه بالموت حرقا سنة ١٣٠١، ولولا ذلك الهرب لنفذوا في حكمهم ثم صادروا أملاكه ونفوا ولديه جاكر وبيترو ولا زالت البلاد تتقاذفه حتى مات شريدا طريدا سنة ١٣٢١ بعدنفي قارب العشرين عاما.
أسباب تأليف الروايتين
فأما رسالة الغفران فهي رد على رسالة ابن القارح التي أرسلها إلى المعري
وابن القارح هو علي بن منصور الحلبي، ولقبه دوخلة، خدم أبا علي الفارسي في صباه وقرأ عليه بعض كتبه، ثم جاء إلى مصر يؤدب ولدّي الحسين بن جوهمه القائد بمصر. وكان له شعر من نوع ضعيف كمدحته للحاكم بأمر الله الفاطمي التي يفتتحها بقوله
أن الزمان قد نصر ... بالحاكم الملك الأغر
وكان فيه شيء من ذكاء. وشيء من دعابة أملت عليه دعابته أن يرسل لأبي العلاء رسالة فيها لهو، وفيها سخر، وفيها حوار للشعراء والمتزندقين والمتألهين. وفيها أسلوب معري يكثر من ذكر الآيات القرآنية يوردها أدلة على مالا تدل عليه إلا قليلا، أو من طريق بعيد، أو لا تدل عليه بالمرة. وفيها كثرة الجمل الإعتراضية بالدعاء للمخاطب والإسهاب في الترضي والترحم وفي اللعنة، مما لم نعهده في كتاب غير رسالة الغفران وغير رسالة ابن القارح تلك التي بدأها بقوله (كتابي أطال الله بقاء مولاي الجليل، وجعلني فداءه على الصحة والحقيقة، وليس على مجاز اللفظ، ومجرى الكناية) ثم يروي عن صاحب الزنج انه خطب في زنوجه قائلا (أنكم قد أعنتم بقبح منظر، فأشفعوه بقبح مخبر. اجعلوا كل عامر قفرا، وكل بيت قبرا.) ثم يروي لأبي العلاء أن رجلا دفع إلى صديق له جارية وأودعها