للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

المتنبي مع طه حسين

للدكتور محمد عوض محمد

إن الذين يطالعون الكتاب الذي بين أيدينا على أنه كتاب لطه حسين في المتنبي سيخطئون القصد ويفوتون على أنفسهم اللذة الحقيقية والمتعة العظيمة التي يستطيعون أن ينالوها من مطالعة هذا الكتاب على الوجه الصحيح: أي على أنه كتاب أدبي أو قصة أدبية شائقة لها بطلان المتنبي وطه حسين معاً. فليس الكتاب بحثاً تاريخياً جافا، أو نقداً موضوعياً، بل قصة ممتعة تشترك فيها شخصية المؤلف الأديب وشخصية المتنبي المدهشة. . . ولهذا يجمل بنا أن ندعو الكتاب طه حسين مع المتنبي، أو المتنبي مع طه حسين؛ كما ينادون في بعض المطاعم على الأصناف اللذيذة بأن يقولوا فراخ مع الأرز، أو كوارع مع الفتة. . .

فالكتاب الذي نحن في حديثه الآن اسمه الصحيح إذن هو المتنبي مع طه حسين. . . .

والمتنبي مع طه حسين مظلوم!. . فقد كان طه حسين معرضاً عنه إعراضاً تاماً؛ وظل معرضاً عنه زمناً كدنا إلا نعرف له آخر. . وقد قرر طه حسين أن يعرض عن المتنبي كل هذا الأعراض، منذ أن كان يطلب العلم في الأزهر الشريف. ثم لم يزل معرضاً عنه ممعنا في الإعراض. لا يستمع لصوته القوي، ولا يستجيب لندائه العذب. وهو يستعين على هذا الإعراض بضروب من الوسائل؛ فجعل يضع القطن الغليظ في أذنيه، ويقيم الحجب والجدران بينه وبينه، ويقول له: ابعد عني! لا أريد أن أصغي إليك. . .

وهكذا ظل المتنبي يهيب بالأديب الكبير، والأديب الكبير ليس له - كما تقول العامة - سوى أذن من طين وإذن من عجين

ولكن لم كل هذا الإعراض، أو التجني، أو التمتع؟

سيقول لك خلطاؤه الذين لا ينظرون إلا إلى ظاهر الأمور إن إعراض طه حسين يرجع إلى الخصومات التي تنشأ بين الطلبة، وتذهب بهم في التشيع الأدبي مذاهب مدهشة، فكان يكفي أن ينادي زيد بأن الطائي شاعر كبير، لكي يخاصمه في ذلك عمرو وبكر وخالد؛ وكان يكفي أن يشتد إعجاب بكر بشعر المتنبي ويسرف في مدحه، حتى يتألف عليه الآخرون، ويقاطعوا المتنبي المسكين من غير جريرة ولا ذنب

<<  <  ج:
ص:  >  >>