كثير على إنسان واحد أن يشهد الحرب العالمية في حياته مرتين، فقد كانت الدنيا كلها لا تشهد حرباً عالمية إلا مرة في كل خمسة قرون أو ستة قرون، وكانت على أوسع ما تتسع له آفاقها تنحصر في دولتين أو ثلاث دول هي كل ما يسمى (العالم) في تلك العصور
أما اليوم فقد شهدنا الحرب العظمى قبل ربع قرن؛ وهانحن أولاء نشهد العالم كله متحفزاً لحرب عالمية أخرى تستغرق كل من على ظهر البسيطة من كبار الشعوب وصغارها ولو لم يشتركوا جميعاً في قتال
ماذا وراء ذلك؟ خير أو شر؟ ونجاة أو هلاك؟ وخطوة إلى حضارة أعلى أو نكوص إلى همجية الكهوف؟
بشر ولا تنفر!
وعلى هذه السنة نقول: إن تتابع الحروب العالمية دليل على وجود المشكلة العالمية بعد أن لم يكن لهذه المشكلة وجود، وبعد أن لم يكن للعالم نفسه شعور بوجوده مستقلاً عن عصبيات الدول والأوطان
ومتى ظهرت المشكلة فتلك بداية الحل، ومتى تفاقم الخطر فتلك علامة النهاية
أي نهاية؟
نهاية الخطر أو نهاية العالم؟ بل نهاية الخطر إن شاء الله
وذكريات الحرب الماضية تفوق الحصر والإحاطة، فهي أربع سنوات لم ينقض يوم واحد منها على غير تجربة جديدة من تجارب الفكر أو من تجارب المعيشة أو من تجارب الحياة
تاريخ أربعة آلاف سنة مجتمع في أربع سنوات، لأن الحرب العظمى قد عرضت على الناس في مدى سنواتها الأربع كل ما عرفه بنو الإنسان من خبرة السياسة وأطوار التاريخ، وقد أرتهم مصائر ملوك ودولات لم يرها الأقدمون إلا من قراءة الأسفار الطوال، وهي قبس صغير مما يراه الناظر رؤية العيان
لكنني أقتصر في هذا المقال على ذكريات تمس الأدب والصحافة لأنني أكتبه في صحيفة أديبة، وفي استذكاره على ما أرجو عبرة للمعتبرين