للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشكلة الشر في ضوء وحدة الوجود]

للأستاذ عبد العزيز محمد الزكي

إن اعتناق طاغور عقيدة وحدة الوجود لم يضف جديداً للفكر الهندي، بل هو أخذ من القديم، وترديد لنفحات حكماء السابقين. وأن تدعيمه هذه العقيدة بتوضيح ما يكتنفها من إبهام، وما يشيع فيها من إشكال، أو بعثه لها في قالب شعبي يجدد من حيويتها، ويذيعها بين العام قبل الخاص، ولئن كان فيه شئ من الجدة فأنها لا تظهر طاغور إلا بمظهر المدافع عن تراث ديني عتيق. وإنما الذي يفصح عن ابتكاره الفكري، هو استعانته بهذه العقيدة في تدعيم المبادئ الأخلاقية، وتفسير ما يشوب الحياة الإنسانية من شر، وما ينتابها من سوء.

وإن كان في تصور تجلي الله في مكونات الوجود في صورة قانونها العام شئ من البراعة الفكرية، فإن تصور حلول الله في الإنسان على صورة القانون الأخلاقي، ينم عن مهارة روحية فائقة، تظهر قدرة طاغور الملائكية في كيفية إحكام ربط الإنسان بالله، إذ جعل أفضل ما في الإنسان متمدا من الله، واتخذ من أنبل ما يحتويه كيانه من قيم روحية سبيلا لتحقيق اتحاده بخالقه اللانهائي. وإن كان هناك كثير من البشر يعصي أوامر القانون الأخلاقي، الذي ليس إلا قبسا من نور الله فاض به على الإنسان، فظهر فيه في قالب قطرته الخيرة، التي تحارب الغرائز البهيمية والشهوات المنحطة، وتقاوم سحر ملاذ الدنيا، وتدفع إغراء متعها المادية، كما تطهر النفس من كل ما يمكن أن يتسرب إليها من دنس، وتخضع حياة الإنسان للقيم الفاضلة؛ فإن هؤلاء الذين يعصون هذا القانون الخلقي، ولا يؤمنون بسيادته على النفس، يعتقدون أن منفعتهم الخاصة يجب أن تكون قانون حياتهم الوحيد، ويفضلوا أن يتمردوا على قطرتهم الخيرة على أن يستسلموا لها إذا تعارضت مع فائدتهم، ويقبلون أن يتبعوا أهواءهم الخبيثة ما دامت ترضي رغباتهم الجشعة. وبذلك يفسحون المجال لهذه الرغبات لأن تعيث فسادا في النفس، وتملأها بأنانية بشعة طاغية، تحبسها في سجن رهيب من المصالح الخاصة، لا تسمح لها بأن تخرج من دائرة الذات الضيقة إلى ساحة المجتمع الإنساني، بل تبذر فيها بذور الطمع، وتلقنها فنون اقتراف الخطايا، فتغرق في بحر من الآثام، وتقع في وهدة الشر، فتغيب عنها معرفة الله الكامن في أغوارها على صورة ذلك القانون الذي أبت أن تخضع له، وتتقيد به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>