وبذلك يحجب الإثم والشر عن النفس إدراك قانونها العام، ويسلبها حب الذات القدرة على تحطيم أغلال الأنانية، فتحيد عن طريق وحدة الوجود، وتعجز عن معرفة أن جوهرها يتضمن أكثر من وجودها الفردي، وتخفق في الإحساس بالله الذي أودع ذاته في طياتها، وبالتالي تفشل في الكشف عن اتحاد الله بسائر الأشياء، وتخيب في تحقيق كمالها الروحي، ولا تتمتع بالحياة في كنف حقيقة الحياة الأولى ألا وهي حقيقة (وحدة الوجود).
وخروج الإنسان عن طاعة قانونه الخلقي مرده إلى أن الله وإن قيد الإنسان بضرورة الخضوع لهذا القانون، ترك له حرية تامة في طاعتها أو عصيانه، كما منحه إرادة حرة لها التصرف في الشئون الدنيوية، ولم يلزمه يفعل الخير أو تجنب الشر، لأن قطرته تسمح له بأن يميز بين الخير والشر، وتمكنه من أن يسلك طائعاً مختاراً الطريق السوي. لأن في النفس الإنسانية نوعين من الرغبات: أحدهما خاص والآخر عام. والرغبات الخاصة تجري وراء المطالب الذاتية، وتقف عند حد الفوائد الشخصية، بينما الرغبات العامة مطالبها تتعدى كل ما هو ذاتي، وتنشد خير كل ما هو كلي مثل الأسرة أو الوطن أو الإنسانية. وإرادة الإنسان يمكنها أن تسير تحت ضغط أي من النوعين من الرغبات، وتملك القدرة على تغليب سيطرة الرغبات العامة على الرغبات الخاصة.
فإن خضع الإنسان لقيادة القوانين الأخلاقية، وتحكم في أهوائه ونزعاته سار في طريق الخير، وإن أتخذ من الإيثار والتضحية سبلا لسعادة الغير، فهو لاشك مساهم في خدمة أهله، ومشارك في إصلاح وطنه، ومجاهد في سبيل ترقية الحياة الإنسانية عامة. وإن بذل نفسه رخيصة من أجل عشيرته أو بلاده ولم يكترث بما يعانيه من حرمان، فقد عرف كيف يذيب الأنانية، ويقضي على حب الذات في نفسه، وإن أصر على تحقيق خير البشرية ولم يحل دون ذلك ما يقف أمامه من صعوبات، فإنه يعد لنفسه طريق الاندماج في الله. وعلى يد هؤلاء الذين فازوا بسرور غير محدود ينبع من الحياة في حقيقة وحدة الوجود ينال البشر سعادتهم، ويتخلصون من كل ما ينغص عليهم حياتهم من شر، وينتشر بينهم الخير.
أما الذي يأبى أن يخضع للقوانين الأخلاقية، ويركب رأسه ويريد على الدوام أن يستولي على ربح خاص لا يشاركه فيه أحد، أو يحظى بمزايا لا ينافسه فيها إنسان، فإنه فضلاً عن أنه لن يهتدي إلى حقيقة وحدة الوجود، ولابد أن يصطدم برغبات الجماعة، ويدخل في