حرب مع كل نفع عام عندما يعرقل نفعه الخاص. وذلك يشيع التفرق والتنابذ بين أفراد المجتمع الإنساني، وينشر بينهم التكالب على المصالح الذاتية، بل يحطم ما يربطهم من علاقات محبة وتعاون، فتنحل أواصر الأسرة، ويتفكك كيان الوطن، وينعدم الأمل في تآلف دول العالم، ويتقلب النظام الطبيعي في الحياة إلى فوضى، فيضع القوي قوانين جائزة يدعى أنه وضعها لتنظيم المجتمع، بينما هي تستمد أصول تشريعها من أشرار الأنانية، وتعتمد على القوة والوحشية في تنفيذها، وتبتدع أساليب جديدة في إذلال الإنسان الوديع واستقلال الشعوب المتأخرة.
ولكن إذا أمعن غيه، وصمم على أن لا يحيد عن طريق حب فائدته، واستكبر أن يطيع أوامر القانون الخلقي، سيلبث في صراع عنيف مستمر مع صلح الكل، يستفحل أمره شيئاً فشيئاً إلى أن يقضى عليه آخر الأمر. وهذا مصير كل فرد يقف في وجه الجماعة، ولذلك يجب على الإنسان أن يكبح جماح غرائزه وشهواته التي تلح في طلب المنافع الخاصة، وتوهمه بأن هذه المنافع هي غاية حياته، وتحرضه على أن لا يسلم أمرة النفس للقيم الروحية التي تطلب منه أن يعيش لغيره كما يعيش لنفسه، وأن يضحي برغباته الشخصية إذا تعارضت مع سعادة النفس الكبرى التي تشمل حياة الإنسانية بأجمعها. والإنسان العاقل هو من يوفق بين الرغبات التي ترضي النفس القروية وبين رغبة إسعاد المجتمع الإنساني، لأن كل من يحاول أن يقف وحده في وجه قوى المجتمع، ويرغب في أن يحصرها في نطاق فائدته مصيره إلى الدمار. إن سجل التاريخ الإنساني لحافل بالثورات العظمى، التي تشهد بأن الجزء حينما يحتقر الكل، وينشد لنفسه منافع خاصة من دون الجماعة، ويسير في طريق منفصل عن طريقهم، لا بد أن تثور ضده القوى الكلية، وتشن عليه حرباً لا هوادة فيها حتى ترغمه على أن يسلك طريقها العام صاغراً.
يتضح مما تقدم أن نار الشر تندلع من شرر عصيان الأوامر الأخلاقية التي تنذر بأن الأنانية ستسود حياة الفرد، وأن الإرادة ستسكن لِسيطرة الشهوات والغرائز، التي تفسد الناحية الخيرة في النفس، وتتلف مقوماتها الروحية وتدفعها في طريق الخطايا والآثام، وتوهمها بأن ذاتها هي غايتها الوحيدة في الحياة، وأن لا عمل لها إلا الجري وراء غنمها الشصي. ومثل هذه الأهواء الشريرة تخيم على البصيرة فتحجب عن الروح إدراك الله