ولكن لا حرية بغير تبعة. فكل ذي رأي مسئول وحدة عن رأيه، وعليه وحده أن يحمل جميع تبعاته، وليس له أن يلقى هذه التبعات على غيره. لأن حريته تنتهي عند انتهاء التبعة التي يحملها باختياره. . . فلا اختيار له في حريات الآخرين.
وذلك عن الحد الفاصل بين الرأي الذي يسأل عنه الباحث أو الكاتب وحده، وبين الرأي الذي يشرط فيه غيره.
فمن حقه بلا نراع أن ما يشاء في حدود القانون ولكن ليس من حقه أن يحمل غيره على تزكية رأيه وترويجه أو الأذن بأجازته ونشره، ولا سيما إذ يكون ذلك (الغير) هيئة رسمية مفروضة بقوة الدولة على جميع أبناء الأمة، كالجامعة المصرية وما جرى مجراها.
فالجامعة المصرية جامعة حكومة، ومعنى أنها جامعة حكومة أن إلزامها لطلابها هو إلزام يقوم به القانون، وتحميه الدولة، وليس فيه للطالب أو لولى أمره خيار كالذي يملكه الطلاب وأولياء الأمور في الجامعات الأهلية. فهم لا يملكون أن ينتقلوا منها إلى غيرها إذا لم توافقهم دروسها، وليس في وسعهم أن يستغنوا عن شهاداتها وإجازاتها، لأن مستقبلهم في الوظائف أو المزاولات العلمية مرتبط بها. فليس لأحد أن يطلب من هذه الجامعة أن تجيز دروساً تحتاج إلى احتمال تبعة، وليس له أن يلقى عليها تبعاته وينتظر منها أن تقرها وتزكيها، وهم يزعم أنه حر فيما يصنع، وأنها هي المقيدة أمامه فلا حرية لها في رفض هذا الصنيع من شاء أن يقدر حريته فليقدر تبعته قبل تقديره لحريته. ومن تقدير التبعة أن يفهم ما يجوز له عرضه للإقرار والإجازة، وما ينفرد به أو يشرك فيه سواه. فإن لم يفهم ذلك فليس هو بأهل لتقدير الحريات ولا لتقدير التبعات.
وقد سبقتنا إلى النظام الجامعي أمم كثيرة، وسبقتنا إلى حرية الرأي أمم كثيرة، وترجع تقاليد الجامعات في بعض هذه الأمم إلى مئات السنين، وكلها تدين بهذا المبدأ فيما يعرض عليها من الرسائل للإجازة والاقرار، ولم يقل أحد أنها تصادر حرية الآراء، أو تحجر على مباحث المفكرين.