للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في المرقص]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

جلست في ركن أرى منه الناس جميعاً وذهبت أنتظر صديقي. والانتظار ثقيل ولكنه هنا مما يهون أمره، فقد كان اليوم يوم أحد، وكان المكان غاصاً بالفتيات الجميلات، وكانت الموسيقى لا تكف عن العزف، فالرقص لا ينقطع وحركته لا تفتر، ولا يزال الشبان ينهضون ويتقدمون من الفتيات وينحنون لهن باسمين فترفع الواحدة منهن حاجبيها الدقيقين اللذين يبدوان كأنهما مرسومان وتبتسم وتنهض ويداها على ثوبها لتصلح منه ما أفسده الجلوس. وكان يخيل إلي أن كل إنسان هنا يعرف كل إنسان آخر إلا العبد لله، فما كنت أرى وجه من أعرف. وصفقت فجاء خادم سمين أسود الوجه غليظه فقلت: اسقني شيئاً مما عندك، وكان صوتي خافتاً وقد زادت الضجة خفوته، فمال الرجل علي وهز وجهه الكبير فقلت: (هات أي شيء بارد. . أي شيء. . اذهب)

فقد كان يحجب عني الدنيا

وأدرت عيني في المرقص فسرتني المناظر. آه!. . هذه البيضاء ذات الثوب الأرجواني ما أحلاها. . شعرها ذهبي وخصله الجميلة تهتز تبعاً لحركة الرقص وكف زميلها على ظهرها تجعل هيف خصرها واستواء ردفيها أوضح وأوقع في النفس وأسحر للعين، وقد دارا الآن فأنا أرى كيف تمنح صاحبها صدرها. . إن صدرها ليس على صدره. . كلا. . ثديها الأيسر وحده هو الذي أراه على صدره. . ما أحلى هذا!. ليتني كنت مكانه! وأحلى ما فيها إشراق وجهها النضر. . إنها مسرورة تضحك وتثني رأسها راضية مغتبطة، فليت شعري ماذا يقول لها هذا الشاب الحاذق؟. .

واختفيا عن عيني وحجبهما غيرهما من الراقصين والراقصات. آه. . هذه أيضاً حسناء ولا شك. . ثوبها فيما يبدو لي قديم. . ووجها باهت اللون. . والأبيض كثير. . ولكن معارفها حسنة وعينها واسعة حوراء. . أم ترى هذا فعل الكحل؟. . لا أظن. ولكن صاحبها لا يدنيها من صدره وإني لأرى بينهما مقدار شبر. . ولا يحادثها ولا يهمس في أذنها بكلمة. . فهما يدوران في صمت. . خسارة. . كنت أحب أن أرى وجهها وهي مسرورة تضحك. . ذهبت الآن على كل حال. . فلننظر إلى غيرها. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>