أدبت السيدة إيمي خير مأدبة لرجال الأدب ونسائه، كانت على رأى من شهدوها مظهراً لذلك الأدب النَّغْل الذي يعييك أن تعزوه إلى وطن وتنسبه إلى أمة
تفرنس فيها المدعوون حتى حماة اللغة والأدب! بعضهم ملكته الحذلقة فاستكثر ظرفه وعلمه على اللغة العربية، وبعضهم غلبته المجاملة فخاطب الأديبات بلغتهن ولغتهن الفضلى هي الفرنسية. وكان الذين يتعصبون للعربية أو يتأدبون بالإنجليزية قلالاً قد انتثروا في غمار الحفل أول ما دخلوا؛ فلما أنكروا اللسان المتحدث بين القوم تراجعوا متزايلين مستوحشين إلى هامشه ثم طفقوا ينظرون بعين المتفرج المتعجب إلى جمعي المذكر والمؤنث وهما يضطربان في الأبهاء والحجر على غير قياس:
هذا يمثل الباريسي اللبق فيسلك طريقته في السلام، ويتخذ لهجته في الكلام، ويسمُت سمْتَه في التظرف؛ وهذه تمثل إحدى (عالمات) موليير فتتصنع المعرفة، وتتكلف الذكاء، وتقدِّر نفسها بالقياس الطويل والوزن الثقيل فيمالق الذكي ويصدق الأبله؛ وهذان يتضاحكان لحركة لاحظاها أو نكتة قالاها، ثم يكتكتان في الضحك ليلفتا إليهما السمع المشغول والنظر الغافل؛ وهاتان تتحدثان ووجهاهما متقابلان، ونظراهما متدابران، وكل منهما تبحث ذات اليمين وذات الشمال عن محدث أو معجَب؛ وهؤلاء يتناقشون في موضوع غريب بلسان غريب لم يوحه الوطن الذي نحيا به، ولا المجتمع الذي نضطرب فيه، ولا الأدب الذي نعيش له، وإنما أوحاه رأي في كتاب أو مقال في صحيفة جاء به البريد الأخير من البلد الذي استوطنوه بالفكر واستقبلوه بالعبادة!
حدثني أحد الذين دُعوا إلى هذه المأدبة وهو أديب ظريف لا يعرف لغة هذا الصالون قال: كنت جالساً وراء القوم كأنني أحد (أولاد البلد) في دار من دور السينما يشاهد فلماً فرنسياً، فهو يرى ولا يعلم، ويسمع ولا يفهم، ولكنه مأخوذ بالمناظر التمثيلية التي تتقلَّب على عينيه فيغيب وهو حاضر، ويحلم وهو يقظ. فإِذا خشيت أن يلحظ الناس انقباضي عنهم بطول القعود قمت أتنقل بين المثنيات والجموع، فأجدني أشبه بالأطرش في الزفة، يرى الوجوه تنبلج، والشفاه تنفرج، والأيدي تتحرك، وهو شاخص البصر، مغفور الفم، لا يدري ما الذي يشيع السرور ويبعث الضحك. ثم جلست على مقربة من الأستاذ المازني فرأيت ربة الدار تقبل عليه وتقدمت إليه سيدة يقولون إنها من الأديبات النوابه. عرَّفت إليها الأستاذ ونوهت