بأثره في الأدب ومكانه من النهضة، ثم تركتهما معاً وذهبت إلى غيرهما. وانتظر الأستاذ أن تتحدث إليه السيدة الأديبة في قصة من قصصه أو في رأى من آرائه، فيكون في ذلك بعض الترضية للأدب العربي المهان في بلده وبين قومه؛ ولكن السيدة الأديبة بدأت الحديث بهذا السؤال:
حضرتك من مصر ولاَّ من الشام؟
ولا أدري أألقت على المازني كلاماً فيه معنى أم ذَنوباً فيه ماء؟! فقد تخلص منها بلباقة وأقبل علينا يقول:
- وا ضيعتاه! أبعد ثلاثين عاماً قضيتها في الأدب أكتب في كل يوم مقالاً، وألقي في كل أسبوع محاضرة، وأخرج في كل سنة كتاباً، أجد في المتعلمات بالقاهرة من تسأل: أمن الشام أنا أم من مصر؟!
هذه حفلة أقامتها صاحبتها الأديبة لصاحبتها الأدباء، وقد رأيت وسمعت كيف كان حرص أدبائنا على اللغة، وإلى أين بلغ عالم أديبتنا بالأدب. فهل تصدق أن يكون لهؤلاء أدب مستقل وهم ينكرون أن لهم لغة مستقلة؟ لا جرم أن هذا النوع من الأدب الحرام يزيف الأديب على أمته كما يزيفه على الأمم الأخرى. وإذا جاز لأُولئك السيدات الأديبات أن يلغَين بغير لغتهن، بحكم نشأتهن وطبيعة ثقافتهن، فكيف يجوز لأساتذة اللغة وزعماء الأدب أن يديروا في أفواههم ذلك اللسان الأجنبي وما كانت قيمتهم في الناس ودعوتهم إلى هذا الحفل إلا لأنهم يحذقون اللغة العربية، ويتزعمون الثقافة العربية؟!
إن من هوان نفسك عليك وإهانة جنسك في الناس أن تتكلم غير لغتك في بلدك وبين قومك من غير ضرورة ولا مناسبة؛ فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على عدم استقلالك في خليقتك وعقيدتك ونمط تفكيرك وأسلوب عملك
هل تستطيع أن تدلني على بقعة من بقاع الأرض غير مصر ولبنان يجتمع في دور من دورها مجلس من مجالس الأدب يحضره لفيف من أساتذة الجامعة وجهابذة الأدب وأقطاب الصحافة، ثم لا يكون حديثهم إلا بالفرنسية، ولا يدور نقاشهم إلا على موضوعات أجنبية؟؟
يا قومنا إن لغة المرء تاريخه وذاته، فالغض منها غض منه، والتفضيل عليها تفضيل عليه، ولا يرضى لنفسه الضعة والصَّغار إلا مهين أو عاجز!