الدير بيت يتعبد فيه الرهبان، ويكون بين الرياض والحدائق في ظواهر المدن والأمصار، أو في المواضع البعيدة عن الناس كالصحارى والمستشرفات ورؤوس الجبال.
وقد أخطأ ياقوت في الكلام على الدير والتعريف به في كتاب معجم البلدان بقوله:(ولا يكاد يكون بالمصر الأعظم، إنما في الصحارى ورؤوس الجبال). فإننا وجدنا أديرة كثيرة في ظواهر المدن، فقطربل مثلا وهي ملاصقة لبغداد فيها دير أشوني، قال الشابشتى:(وعيده اليوم الثالث من تشرين الأول، وهو من الأيام العظيمة ببغداد، يجتمع أهلها إليه كاجتماعهم إلى بعض أعيادهم، ولا يبقى أحد من أهل التطرب واللعب إلا خرج إليه. . . ويباهون بما يعدون لقصفهم، ويعمرون شطه وأكنافه، وديره وحاناته. . .) وفي قطربل أيضاً دير آخر أسمه دير (الجرجون) ذكره الشابشتى في الكلام على دير اشموني.
وقد أحصيت الأديرة التي كانت ملاصقة لبغداد أو قريبة منها فوجدتها تقرب العشرين ديراً، وربما كانت أكثر من هذا؛ أما الأديرة التي حول الحيرة أو قريبة منها فأكثر من عشرين ديراً. وهذا ينقض زعم ياقوت بأن الدير لا يكون في المصر الأعظم، وإذا استقصينا الشواهد على نقضه ضاق بنا المجال.
وربما يكون قول المقريزي في التعريف بالدير أقرب إلى الصواب، فقد قال:(الدير عند النصارى يختص بالنساك المقيمين به، والكنيسة مجمع عامتهم)
أما قول الفيروز ابادي في الدير، والتعريف به فقلق جداً لا يدل على اطلاع في هذا الموضوع، فقد قال:(الدير خان النصارى وجمعه أديار)، والخان يطلق على كل موضع يقام به في سفر أو غيره.
وقد جاء في الشعر العربي إشارات كثيرة إلى مواضع الأديرة التي تكون على سفوح الجبال أو في السهول والرياض. قال أبو الحسين بن أبي البغل الشاعر في دير الأعلى بالموصل، وقد اجتاز به يريد بلاد الشام:
انظر إليَّ بأعلى الدير مستشرفاً ... لا يبلغ الطرف في أرجائه طرفا